ومن يصفك فقد سماك للعرب؛ أي: أنك إذا ذكرت صفاتك علم السامع أنك المعنية بها دون غيرك؛ فكأن ذاكرك قد سماك, وهذا مثل قولك: في طيئ رجل يضرب به المثل في السخاء؛ فيعلم أنه حاتم, وإن لم يسم, وكذلك لو قيل: في بني كلاب فارس أعور هو أحد فرسان العرب الثلاثة لعلم أن المعني عامر بن الطفيل.
وقوله:
تعثرت به في الأفواه ألسنها ... والبرد في الطرق والأقلام في الكتب
يريد أن هذا الخبر نبأ عظيم لا تجترئ الأفواه على النطق به, فهذا قد يجوز أن يكون صحيحًا؛ لأن الإنسان ربما هاب الإخبار بالشيء لعظمه في نفسه, وكذلك الكاتب الذي يكتب بالخبر الشنيع ربما تعثر قلمه هيبةً للأمر الذي دخل فيه, وإنما التعثير من الكاتب. وأما إدعاؤه التعثر للبرد فكذب (١٣/أ) لا محالة؛ لأن البريد لا يشعر بالخبر.
وقد ذكر أبو الطيب في موضع آخر ما يدل على أن حامل الكتاب الذي لا يشعر ما فيه غير شاقٍ عليه حمله, فكيف بالدابة التي لا يحكم عليها بالعقل, ومن ذلك قوله لعضد الدولة:[السريع]
حاشاك أن تضعف عن حمل ما ... تحمل السائر في كتبه
والبرد: جمع بريد, وأصل ذلك أنهم كانوا ينصبون في الطريق أعلامًا, فإذا بلغ بعضها