للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله:

بنتم عن العين القريحة فيكم ... وسكنتم ظن الفؤاد الواله

يقول: بنتم عن العين التي هي قريحة من البكاء عليكم, وسكنتم الفؤاد الواله؛ فكأنه جاء بالضدين في المصراعين, فجعل العين التي تبكيهم لا تصل إلى رؤيتهم, وهم مع ذلك قد سكنوا ظن الفؤاد الذي به الولد من فقدهم. والوله: ذهاب العقل والحيرة. وجاء بالهاء الأصلية وصلًا مع الهاء التي هي للضمير, وقد جاء ذلك في شعره مرارًا, وربما استعملت الشعراء ذلك, قال الشاعر: [مجزوء الكامل]

أبلغ أبا عمرو أحيـ ... ـحة والخطوب لها تشابه

أني أنا الليث الذي ... تخشى مخالبه ونابه

وقوله:

فدنوتم ودنوكم من عنده ... وسمحتم وسماحكم من ماله

الهاء في عنده وماله راجعة إلى الفؤاد؛ أي إنه تخطر به الأماني فيراكم في النوم, وأنه قد نال منكم ما لم يكن راجيًا؛ فالفؤاد كأنه يسمح بسماحتكم؛ إذ كانت أمانيه تجلب وصالكم إليه, وإذا منحتموه عطيةً فكأنها مال سمح به.

وقوله:

إني لأبغض طيف من أحببته ... إذ كان يهجرنا زمان وصاله

قال في أول القصيدة: لا الحلم جاد به ولا بمثاله؛ فزعم أن الحلم لا يصل إلى أن يريه الخيال, ثم ذكر بعد ذلك أنه يبغض طيف من أحبه, وهذا يشبه أقوال الشعراء الشيء ثم رجوعهم عنه, وهو الذي يسمى الإكذاب, ومنه قول زهير: [البسيط]

قف بالديار التي لم يعفها القدم ثم قال:

بلى وغيرها الأرواح والديم

ونحو منه قول كثير: [الطويل]

<<  <   >  >>