للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٥] {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} [الرَّعْدِ: ٥] الْعَجَبُ تَغَيُّرُ النَّفْسِ بِرُؤْيَةِ الْمُسْتَبْعَدِ فِي الْعَادَةِ وَالْخِطَابُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَعْنَاهُ إِنَّكَ إِنْ تَعْجَبْ مِنْ إِنْكَارِهِمُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ مَعَ إِقْرَارِهِمْ بِابْتِدَاءِ الخلق فَعَجَبٌ أَمْرُهُمْ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُنْكِرُونَ الْبَعْثَ مَعَ إِقْرَارِهِمْ بِابْتِدَاءِ الْخَلْقِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْقُلُوبِ أَنَّ الْإِعَادَةَ أَهْوَنُ مِنَ الِابْتِدَاءِ، فَهَذَا مَوْضِعُ الْعَجَبِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَإِنَّ تَعْجَبْ مِنْ تَكْذِيبِ الْمُشْرِكِينَ وَاتِّخَاذِهِمْ مَا لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ آلِهَةً يَعْبُدُونَهَا وَهُمْ قَدْ رَأَوْا مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَا ضَرَبَ لَهُمْ بِهِ الْأَمْثَالَ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ، أَيْ: فَتَعْجَبُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِمْ، {أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا} [الرعد: ٥] بَعْدَ الْمَوْتِ، {أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [الرعد: ٥] أَيْ: نُعَادُ خَلْقًا جَدِيدًا كَمَا كنا قبل الموت قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} [الرعد: ٥] يَوْمَ الْقِيَامَةِ {وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الرعد: ٥]

[٦] قوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} [الرعد: ٦] الِاسْتِعْجَالُ طَلَبُ تَعْجِيلِ الْأَمْرِ قَبْلَ مجيء وقته، والسيئة هاهنا هِيَ الْعُقُوبَةُ وَالْحَسَنَةُ الْعَافِيَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ مُشْرِكِي مَكَّةَ كَانُوا يَطْلُبُونَ الْعُقُوبَةَ بَدَلًا مِنَ الْعَافِيَةِ اسْتِهْزَاءً مِنْهُمْ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أو ائتنا بعذاب أليم. {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} [الرعد: ٦] أَيْ: مَضَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ فِي الْأُمَمِ الَّتِي عَصَتْ رَبَّهَا وَكَذَّبَتْ رُسُلَهَا الْعُقُوبَاتُ، وَالْمَثُلَاتُ جَمْعُ الْمَثُلَةِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الثَّاءِ مِثْلُ صَدُقَةٍ وَصَدُقَاتٍ. {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} [الرعد: ٦]

[٧] {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ} [الرعد: ٧] أَيْ: عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} [الرعد: ٧] أَيْ: عَلَامَةٌ وَحُجَّةٌ عَلَى نُبُوَّتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد: ٧] مخوف، {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: ٧] أَيْ: لِكُلِّ قَوْمٍ نَبِيٌّ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: دَاعٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْحَقِّ أَوْ إِلَى الضَّلَالَةِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْهَادِي مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَأَنْتَ هَادٍ لِكُلِّ قَوْمٍ أَيْ دَاعٍ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْهَادِي هو الله تعالى.

[٨] قَوْلُهُ تَعَالَى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى} [الرعد: ٨] مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى سَوِيَّ الْخَلْقِ أَوْ نَاقِصَ الْخَلْقِ وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} [الرعد: ٨] أَيْ: مَا تَنْقُصُ {وَمَا تَزْدَادُ} [الرعد: ٨] قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: غَيْضُ الْأَرْحَامِ الْحَيْضُ عَلَى الْحَمْلِ، فَإِذَا حَاضَتِ الْحَامِلُ كَانَ نُقْصَانًا فِي الْوَلَدِ، لِأَنَّ دَمَ الْحَيْضِ غِذَاءُ الْوَلَدِ فِي الرَّحِمِ فَإِذَا أَهْرَقَتِ الدَّمَ يَنْقُصُ الْغِذَاءُ فَيَنْتَقِصُ الْوَلَدُ، وَإِذَا لَمْ تَحِضْ يَزْدَادُ الْوَلَدُ وَيَتِمُّ فَالنُّقْصَانُ نُقْصَانُ خِلْقَةِ الْوَلَدِ بِخُرُوجِ الدَّمِ وَالزِّيَادَةُ تَمَامُ خِلْقَتِهِ بِاسْتِمْسَاكِ الدَّمِ. وَقِيلَ: إِذَا حَاضَتْ يَنْتَقِصُ الْغِذَاءُ وَتَزْدَادُ مُدَّةُ الْحَمْلِ حَتَّى تستكمل تسعة أشهر طاهرا فَإِنْ رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَضَعَتْ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَالنُّقْصَانُ فِي الْغِذَاءِ وَالزِّيَادَةُ فِي الْمُدَّةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: غَيْضُهَا نُقْصَانُهَا مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَالزِّيَادَةُ زِيَادَتُهَا عَلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ. وَقِيلَ: النُّقْصَانُ السَّقْطُ، وَالزِّيَادَةُ تَمَامُ الْخَلْقِ، وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَقَدْ يُولَدُ الْمَوْلُودُ لِهَذِهِ الْمُدَّةِ وَيَعِيشُ {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: ٨] أَيْ: بِتَقْدِيرٍ وَحَدٍّ لَا يُجَاوِزُهُ وَلَا يُقَصِّرُ عَنْهُ.

[٩] {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ} [الرعد: ٩] الَّذِي كَلُّ شَيْءٍ دُونَهُ {الْمُتَعَالِ} [الرعد: ٩] على كل شيء.

[١٠] قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} [الرعد: ١٠] أَيْ: يَسْتَوِي فِي عِلْمِ اللَّهِ الْمُسِرُّ بِالْقَوْلِ وَالْجَاهِرُ بِهِ، {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} [الرعد: ١٠] أَيْ: مُسْتَتِرٌ بِظُلْمَةِ اللَّيْلِ، {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرعد: ١٠] أَيْ: ذَاهِبٌ فِي سَرْبِهِ ظَاهِرٌ، وَالسَّرْبُ بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الطَّرِيقُ، قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: سَارِبٌ بِالنَّهَارِ أَيْ مُتَصَرِّفٌ فِي حَوَائِجِهِ، قَالَ ابن عباس: هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>