للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَاحِبُ رِيبَةٍ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ فَإِذَا خَرَجَ بِالنَّهَارِ أَرَى النَّاسَ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الْإِثْمِ، وَقِيلَ: مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ أَيْ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ خَفِيتُ الشَّيْءَ إِذَا أَظْهَرْتَهُ وَأَخْفَيْتُهُ إِذَا كَتَمْتَهُ، وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ أَيْ: مُتَوَارٍ دَاخِلٌ فِي سَرْبٍ.

[١١] {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} [الرعد: ١١] أَيْ: لِلَّهِ تَعَالَى مَلَائِكَةٌ يَتَعَاقَبُونَ فيكم بالليل والنهار صَعِدَتْ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ جَاءَ فِي عَقِبِهَا مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَإِذَا صَعِدَتْ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ جَاءَ فِي عَقِبِهَا مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ، وَالتَّعْقِيبُ: الْعَوْدُ بَعْدَ الْبَدْءِ وَإِنَّمَا ذُكِرَ بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ لِأَنَّ وَاحِدَهَا مُعَقِّبٌ، وَجَمْعَهُ مُعَقِّبَةٌ، ثُمَّ جَمْعُ الْجَمْعِ مُعَقِّبَاتٌ كَمَا قِيلَ أَبْنَاوَاتُ سَعْدٍ وَرِجَالَاتُ بَكْرٍ {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} [الرعد: ١١] يَعْنِي: مِنْ قُدَّامِ هَذَا الْمُسْتَخْفِي بِاللَّيْلِ وَالسَّارِبِ بِالنَّهَارِ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: ١١] يَعْنِي: بِأَمْرِ اللَّهِ، أَيْ: يَحْفَظُونَهُ بإذن الله ما لم يجىء القدر، فإذا جاء القدر خُلُوًّا عَنْهُ. وَقِيلَ: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أَيْ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْحِفْظِ عَنْهُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَلَهُ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهِ يَحْفَظُهُ فِي نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْهَوَامِّ، فَمَا مِنْهُمْ شَيْءٌ يَأْتِيهِ يُرِيدُهُ إِلَّا قَالَ: وَرَاءَكَ إِلَّا شَيْءٌ يَأْذَنُ اللَّهُ فيه فيصيبه {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ} [الرعد: ١١] مِنَ الْعَافِيَةِ وَالنِّعْمَةِ، {حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: ١١] مِنَ الْحَالِ الْجَمِيلَةِ فَيَعْصُوا رَبَّهُمْ، {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا} [الرعد: ١١] أَيْ: عَذَابًا وَهَلَاكًا {فَلَا مَرَدَّ لَهُ} [الرعد: ١١] أَيْ: لَا رَادَّ لَهُ، {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: ١١] أَيْ: مَلْجَإٍ يَلْجَئُونَ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: والٍ يَلِي أَمْرَهُمْ وَيَمْنَعُ الْعَذَابَ عنهم.

[١٢] قوله: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الرعد: ١٢] قِيلَ: خَوْفًا مِنَ الصَّاعِقَةِ طَمَعًا فِي نَفْعِ الْمَطَرِ، وَقِيلَ: الْخَوْفُ للمسافر يخاف منه الأذى أو المشقة وَالطَّمَعُ لِلْمُقِيمِ يَرْجُو مِنْهُ الْبَرَكَةَ وَالْمَنْفَعَةَ، وَقِيلَ: الْخَوْفُ مِنَ الْمَطَرِ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ وَإِبَّانِهِ وَالطَّمَعُ إِذَا كَانَ فِي مَكَانِهِ وَإِبَّانِهِ ومن البلدان ما إذا مطروا قحطوا وإذ لَمْ يُمْطَرُوا أَخْصَبُوا. {وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} [الرعد: ١٢] بِالْمَطَرِ. يُقَالُ: أَنْشَأَ اللَّهُ السَّحَابَةَ فنشأت أي أبداها فبدت، والسحب جمع واحدتها سحابة.

[١٣] {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} [الرعد: ١٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ فَقَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فَإِنْ أَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ فَعَلَيَّ دِيَتُهُ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ تَرَكَ الْحَدِيثَ وَقَالَ: سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ والملائكة من خيفته {وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} [الرعد: ١٣] أَيْ: تُسَبِّحُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَةِ الله عز وجل وخشيته {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ} [الرعد: ١٣] جَمْعُ صَاعِقَةٍ وَهِيَ الْعَذَابُ الْمُهْلِكُ يَنْزِلُ مِنَ الْبَرْقِ فَيَحْرِقُ مَنْ يُصِيبُهُ، {فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ} [الرعد: ١٣] يخاصمون، {فِي اللَّهِ} [الرعد: ١٣]

<<  <  ج: ص:  >  >>