المال بينهما وهو حاصل في العروش كحصوله في الأثمان فتصح الشركة والمضاربة بها كالأثمان، وأيضًا الحاجة داعية إلى هذا وكما أن غير النقدين يصح أن يكون ثمنًا في البيع ونحوه وأجرة الإجارة ونحوها فيصح أن يكون رأس مال الشركة والمضاربة، وأيضًا المشاركات أوسع من المعاوضات، وقولهم: بأن النقدين قيم المتلفات وأثمان المبيعات، يقال: هذا في الغالب وإلا فقد تكون العروض قيمًا للمتلفات وأثمانًا للمبيعات. والله أعلم.
وقال شيخنا عبد الرحمن الناصر السعدي -رحمه الله-: قول الأصحاب -رحمهم الله- في شركة العنان، وكذا المضاربة إذا كانت من متعددين، ولا يشترط أن يكون المالان من جنس واحد، فيصح أن يخرج أحدهما دنانير والآخر دراهم، وعند التراجع كل منهما بما أخرج ويقسمان الباقي هذا بناء منهم على ثبات النقدين وبقاءهما بقاءً مستمرًا بسعر واحد لا يزيد ولا ينقص كما هو في الأوقات الماضية، إذا كانت الدراهم والدنانير قيم الأشياء ونسبة بعضها لبعض لا تزيد ولا تنقص؛ وأما في هذه الأوقات فقد تغيرت الحوال وصار النقدان بمنزلة السلع تزيد وتنقص وليس لهما قرار يربطهما فهذا لا يدخل في كلام الأصحاب قطعًا؛ وأما في هذا الوقت فيتعين إذا أخرج أحدهما ذهبًا، والآخر فضة أن يجعل رأس ماليهما متفقًا إما ذهب تقوم به الفضة أو فضة يقوم به الذهب، فهذا هو العدل وهو مقصود الشركات كلها إذا كانت مبنية على العدل واستواء الشريكين في المغنم والمغرم وتحريم ما ينافي هذا ويضاده؛ لأن تجويز كون مال أحدهما ذهبًا ومال الآخر فضة مع عدم قرارهما يقتضي أنه عند التراجع والقسمة إذا كان أحد النقدين زائدًا سعرًا أن يستوعب صاحبه الربح كله ويبقى الآخر محرومًا فكما لا يجوز لأحدهما أن يشترط له ربح أحد الزمانين أو أحد السفرتين أو ربح السلعة الفلانية، وللآخر ربح الشيء الآخر، فهذا كذلك،