ومما رأى أنه من المناسب سوقه في هذا الموضع الأبيات التي تلي من منظومة ابن القيِّم المسماة «الميمية» وهي تتعلق بالحج:
أما والذي حَجّ المُحبَّونَ بَيته … ولبُّوا له عِندَ المهَلِّ وأحْرَموا
وقد كشَفوا تِلكَ الرؤوس تواضعًا … لِعزّةِ مَنْ تعْنُوا الوجُوهُ وتُسْلِمُ
يُهلُّونَ بالبطحَءِ لبيكَ رَبّنا … لكَ الحمدُ والملكُ الذي أنت تعلمُ
دَعَاهم فلبُّوهُ رضًا ومحَبّةً … فلما دَعوهُ كانَ أقرَبَ منهُمُو
تراهم على الأنضَاءِ شُعثًا رؤسهمْ … وغُبْرًا وهم فيها أسَرُّ وأنعَمُ
وقد فارقُوا الأوطانَ والأهلَ رغبةً … ولم تَثْنِهمْ لذّاتهمْ والتّنَعَمُ
يَسيرونَ في أقطارها وفجاجهَا … رجالاً وركبانًا وللهِ أسْلمُوا
ولما رأتْ أبصارُهم بيتَهُ الذي … قلوبُ الوَرَى شوقًا إليهِ تصوَّمُ
كأنهموا لم يَنصِبوا قَطُّ قَبَلهُ … لأنّ شقاهم قد ترَحّلَ عنهُمو
وقد غرِقتْ عَينُ المحِب بدمعها … فينظرُ مِن بينَ الدموع ويَسجمُ
فلله كم مِنْ عَبْرةٍ مُهرَاقةٌ … وأخرى على أثارِها تتقّدِّمُ
إذا عايَنْتهُ العَين زالَ ظَلامُها … وزالَ عن القلبِ الكئيبِ التألم
فلا يَعرفُ الطرفُ المُعَاينُ حُسْنَه … إلى أن يَعُودَ الطرفُ والشّوقُ أعظمُ
ولا عجبًا مِن ذا فحينَ أضافهُ … إلى نفسه الرحمنُ فهوَ المعَظمُ
كساهُ مِن الإجلالِ أعظمَ حُلة … عليها طرازٌ بالملاحة مُعْلَمُ
فمن أجل ذا كل القلوب تحبُّهُ … وتخْشَعُ إجلالاً لهُ وتُعَظم