لقد أغضيت العين على القذى، فأيم الله لتصعدنّ المنبر ولتلعنه، وطوعاً أو كرهاً، فقال الأحنف: أو تعفيني فهو خير لك، فألح عليه معاوية، فقال الأحنف: أما والله لا نصفنك في القول، قال: وما أنت قائل، قال أحمد الله بما هو أهله وأصلي على رسوله وأقول: أيها الناس، إِن أمير المؤمنين معاوية، أمرني أن ألعن علياً، ألا وِإن علياً ومعاوية اختلفا فاقتتلا، وادّعى كل منهما أنه مبغي عليه، فإِذا دعوت فأمنوا. ثم أقول: اللهم العن أنت وملائكتك ملك وجميع خلقك، الباغي منهما على صاحبه، والعن الفئة الباغية، اللهم العنهم لعناً كثيراً، أمنوا رحمكم الله. يا معاوية أقوله ولو كان فيه ذهاب روحي، فقال معاوية: إِذن نعفيك من ذلك، ولم يلزمه به.
ثم دخلت سنة ثمان وستين فيها توفي عبد الله بن عباس بالطائف، وكان محمد ابن الحنفية مقيماً بالطائف أيضاً، فصلى على ابن عباس، وأقام محمد بن الحنفية بالطائف إِلى أن قدم الحجاج بن يوسف إِلى مكة، وكان مولد عبد الله بن عباس قبل الهجرة بثلاث سنين، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم فقهه في الدين، وعلمه الكلمة والتأويل، فكان كذلك، وكان يسمى الحبر، لكثرة علومه. ثم دخلت سنة تسع وستين وما بعدها إِلى سنة إِحدى وسبعين.
مقتل مُصعب بن الزَّبير في هذه السنة، أعني سنة إِحدى وسبعين، تجهز عبد الملك، وسار إِلى العراق، وتجهز مصعب لملتقاه، واقتتل الجمعان، وكان أهل العراق قد كاتبوا عبد الملك، وصاروا معه في الباطن، فتخلوا عن مصعب، وقاتل مصعب حتى قتل، هو وولده وكان مقتل مصعب بدير الجاثليق، عند نهر دجيل، وكان عمر مصعب ستاً وثلاثين سنة: وكان مقتله في جمادى الآخرة سنة. إِحدى وسبعين.
وكان مصعب صديق عبد الملك بن مروان قبل خلافته، وتزوج مصعب سكينة الحسين، وعائشة بنت طلحة، وجمع بينهما في عقد نكاحه.
ثم دخل عبد الملك الكوفة وبايعه الناس، واستوسق له ملك العراقين.
ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين، فيها جهز عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي في جيش إِلى مكة، لقتال عبد الله بن الزبير، فسار الحجاج في جمادى الأولى من هذه السنة، ونزل الطائف، وجرى بينه وبين أصحاب ابن الزبير حروب، كانت الكرة فيها على أصحاب ابن الزبير، وآخر الأمر أنه حصر ابن الزبير بمكة، ورمى البيت الحرام بالمنجنيق، ودام الحصار حتى خرجت هذه السنة.
ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين، والحجاج محاصر لابن الزبير، وأبى ابن الزبير أن يسلم نفسه، وقاتل حتى قتل، في جمادى الآخرة، من هذه السنة، بعد قتال سبعة أشهر، وكان عمر ابن الزبير حين قتل نحو ثلاث وسبعين سنة، وهو أول من ولد من المهاجرين بعد الهجرة، وكانت مدة خلافته تسع سنين، لأنه بويع له سنة أربع وستين، لما مات يزيد بن معاوية، وكان عبد الله بن الزبير كثير العبادة، مكث أربعين سنة لم ينزع ثوبه عن ظهره.