القحطاني، ويلقب أبو عامر المذكور، بالمنصور، واستولى على الدولة وحجب المؤكد، ولم يترك أحداً يصل إِليه ولا يراه واستبد بالأمر، وأصل المنصور بن أبي عامر المذكور من الجزيرة الخضراء من الأندلس، من قرية من أعمالها تسمى طرش، واشتغل المنصور بالعلوم في قرطبة وكانت له نفس شريفة، فبلغ معالي الأمور، واجتمعت عنده الفضلاء وأكثر الغزو والجهاد في الفرنج، حتى بلغت عدة غزواته نيفاً وخمسين غزوة، ومن عجائب الاتفاقات أن صاعد بن الحسن اللغوي، أهدى إِلى المنصور المذكور أيلاً مربوطاً في رقبته بحبل، وأحضر مع الأيل أبياتاً يمتدح المنصور فيها، وكان المنصور قد أرسل عسكراً لغزو الفرنج، وملكهم إِذ ذاك اسمه غرسية بن سانجة، والأبيات كثيرة منها:
عبد نشلت بضبعه وعرسته ... في نعمة أهدى إليك بأيل
سمته غرسية وبعثته ... في حبله ليتاح فيه تفاؤلي
فلأن قبلت فتلك أسنى نعمة ... أسدى بها ذو منحة وتطول
فقضى الله في سابق علمه، أن عسكره أسروا غرسية في ذلك اليوم الذي أُهدي فيه الأيل بعينه، وكان أسر غرسية. وهذه الواقعة في ربيع الآخر سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، وبقي المنصور على منزلته حتى توفي في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
عود شريف إلى ملك حلب فيها عاد أبو المعالي شريف بن سيف الدولة إِلى ملك حلب، وسببه أنه لما جرى بين قرعويه وبين أبي المعالي ما قدمنا ذكره من استيلاء قرعويه على حلب، ومقام أبي المعالي بحماة، وصل إِلى أبي المعالي وهو بحماة، مارقطاش مولى أبيه من حصن برزية وخدمه وعمر له مدينة حمص، بعد ما كان قد أخربها الروم، وكان لقرعويه مولى يقال له بكجور وقد جعله قرعويه نائبه، فقوي بكجور واستفحل أمره، وقبض على مولاه قرعويه، وحبسه في قلعة حلب، واستولى بكجور على حلب وكاتب أهلها أبا المعالي، فسار أبو المعالي إِلى حلب، وأنزل بكجور بالأمان، وحلف له أنه يوليه حمص، فنزل بكجور وولاه أبو المعالي حمص، واستقر أبو المعالي مالكاً لحلب.
غير ذلك في هذه السنة توفي بهستون بن وشمكير بجرجان، واستولى على طبرستان وعلى جرجان أخره قابوس بن وشمكير بن زيار. وفيها توفي يوسف بن الحسن الجنابي القرمطي صاحب هجر، ومولده سنة ثمانين ومائتين، وتولى أمر القرامطة بعده سنة نفر شركة، وسموا السادة.