للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استيلاء عضد الدولة على العراق وغيره وقتل بختيار وفي هذه السنة سار عضد الدولة إِلى العراق. وكتب إِلى بختيار يقول له اخرج عن هذه البلاد، وأنا أعطيك أي بلاد اخترت غيرها. فمال بختيار إِلى ذلك، وأرسل له عضد الدولة خلعة فلبسها، وسار بختيار إلى نحو الشام، ودخل عضد الدولة بغداد واستقر فيها، وقتل ابن بقية وزير بختيار وصلبه، ورثاه أبر الحسن الأنباري بقصيدته المشهورة التي منها:

علو في الحياة وفي الممات ... لحق أنت إِحدى المعجزات

كأن الناسَ حولك حين قاموا ... وفود نداك أيام الصلات

مَدَدْتَ يديكَ نحوهم اقتفاء ... كمدهما إِليهم في الهباتِ

ولما ضاق بطن الأرض عن أن ... يضم علاك من بعد الممات

أصاروا الجو قبرك واستنابوا ... الأكفان ثوب السافياتِ

لعظمك في النفوس تبيتُ ترعى ... بحراس وحفاظ ثقات

وتشعل عندك النيران ليلا ... كذلك كنت أيام الحياةِ

وسار مع بختيار، حمدان بن ناصر الدولة، فأطمعه حمدان في ملك الموصل، وحسن له ذلك، وهون عليه أمر أخيه أبي تغلب، فسار بختيار إِلى جهة الموصل، فأرسل أبو تغلب يقول لبختيار: إِن سلمت إِليّ أخي حمدان، صرت معك وقاتلت عضد الدولة، وأخرجته من العراق، فقبض بختيار على حمدان، وحبله وسلمه إِلى أخيه أبي تغلب، وارتكب فيه من الغدر أمراً شنيعاً، فحبسه أخوه أبو تغلب واجتمع أبو تغلب بعساكره مع بختيار، وقصدا عضد الدولة، فخرج عضد الدولة من بغداد نحوهما، والتقوا بقصر الجص من نواحي تكريت، ثامن شوال من هذه السنة، فهزمهما عضد الدولة وأمسك بختيار أسيراً فقتله، ثم سار عضد الدولة نحو الموصل فملكها وهرب أبو تغلب إِلى نحو ميافارقين، فأرسل عضد الدولة جيشاً في طلبه ومقدمهم أبو الوفاء فلما وصلوا إِلى ميافارقين هرب أبو تغلب إلى بدليس، وتبعه عسكر عضد الدولة، فهرب إلى نحو بلاد الروم. فلحقه العسكر، وجرى بينهم قتال، فانتصر أبو تغلب وهزم عسكر عضد الدولة، ثم سار أبو تغلب إِلى حصن زياد، ويعرف الآن بخرت برت، ثم سار إلى آمد، وأقام بها، وفيها توفي ظهير الدولة بهستون ابن وشمكير، وملك بعده أخوه شمس المعالي قابوس بن وشمكير.

وفيها توفي محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن قريعة البغدادي، وكان قاضي السندية وغيرها من أعمال بغداد، وكان إِحدى عجائب الدنيا في سرعة البديهة بالجواب عن جميع ما يسأل عنه، في أفصح لفظ وأملح سجَع. وكان مختصاً بصحبة الوزير المهلبي، وكان رؤساء العصر يلاعبونه ويكتبون إِليه المسائل المضحكة، فيكتب الجواب من غير توقف، وكان الوزير المهلبي يغري به جماعة يضعون له الأسئلة الهزلية

<<  <  ج: ص:  >  >>