فاستقل الملك العادل عقله، ثم كان من سليمان المذكور ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وفي هذه السنة أرسل السلطان الملك العادل إلى ولده الملك الأشرف وأمره بحصار ماردين، فحصرها وضايقها، ثم سعى الملك الظاهر إلى الملك العادل في الصلح، فأجاب إلى أن يحمل إليه صاحب ماردين مائة ألف وخمسين ألف دينار، ويخطب له ببلاده، ويضرب السكة باسمه، ويكون بخدمته متى طلبه، فأجاب إلى ذلك واستقر الصلح عليه.
وفيها أخرج الملك العادل، الملك المنصور محمد بن العزيز من مصر إلى الشام، فسار بوالدته وإخوته وأقام بحلب عند عمه الملك الظاهر.
وفيها سار الملك المنصور صاحب حماة إلى بعرين مرابطاً للفرنج، وأقام بها، وكتب الملك العادل، إلى صاحب بعلبك وإلى صاحب حمص بإنجاده فأنجده، واجتمعت الفرنج من حصن الأكراد وطرابلس وغيرها، وقصدوا الملك المنصور ببعرين، واتقعوا معه في ثالث شهر رمضان من هذه السنة، واقتتلوا، فانهزم الفرنج وقتل وأسر من خيالتهم جماعة، وكان يوماً مشهوداً، وفي ذلك يقول بهاء الدين أسعد بن يحيى السنجاري قصيدة من جملتها:
ما لذة العيش إلا صوت معمعة ... ينال فيها المنى بالبيض والأسل
يا أيها الملك المنصور نصح فتى ... لم يلوه عن وفاء كثرة العذل
أعزم ولا تترك الدنيا بلا ملك ... وجد فالملك محتاج إلى رجل
يا أوحد العصر يا خير الملوك ومن ... فاق البرية من حاف ومنتعل
ثم خرج من حصن الأكراد والمرقب الإسبتار، وانضم إليهم جموع سن السواحل واتقعوا مع الملك المنصور صاحب حماة، وهو نازل ببعرين في الحادي والعشرين من شهر رمضان من هذه السنة، بعد الوقعة الأولى بثمانية عشر يوماً، فانتصر ثانياً، وانهزمت الفرنج هزيمة شنيعة، وأسر الملك المنصور وقتل منهم عدة كثيرة، ومدح المالك المنصور بسبب هذه الوقعة، سالم بن سعادة الحمصي بقصيدة منها:
أمر اللواحظ أن تفوق أسهماً ... ريم برامة ما رنا حتى رما
فتنة بالسحر بل فتاكة ... ما جار قاضيهن حين تحكما
ومنها:
أصبحت فيها مغرماً كمحمد ... لما غدا بالأريحية مغرما
ومنها:
وشننت منتقماً بساحل بحرها ... جيشاً حكى البحر الخضم عرمرما
أسدلت في الآفاق من هبواته ... ليلاً وأطلعت الأسنة أنجما
وفي هذه السنة ولد الملك المظفر تقي الدين محمود بن الملك المنصور محمد صاحب