والسلطان الملك الكامل مستقر في المنصورة مرابط للجهاد، والملك الأشرف في حران. وكان الملك الأشرف قد أقطع عماد الدين أحمد بن سيف الدين علي بن أحمد المشطوب، رأس عين، فخرج على الملك الأشرف، وجمع ابن المشطوب المذكور جمعاً، وحسن لصاحب سنجار محمود بن قطب الدين، الخروج عن طاعة الأشرف أيضاً، فخرج بدر الدين لؤلؤ من الموصل، وحصر ابن المشطوب بتل أعفر، وأخذه بالأمان.
ثم قبض عليه وأعلم الملك الأشرف بذلك، فسر به غاية السرور، واستمر عماد الدين أحمد بن سيف الدين بن المشطوب في الحبس. ثم سار الملك الأشرف من حران واستولى على في نيسر، وقصد سنجار، فأتته رسل صاحبها محمود بن قطب الدين، يسأل أن يعطى الرقة عوض سنجار، ليسلم سنجار إلى الملك الأشرف، فأجاب الملك الأشرف إلى ذلك وتسلم سنجار في مستهل جمادى الأولى، وسلم إليه الرقة.
وهذا كان من سعادة الملك الأشرف، فإن أباه الملك العادل نازل سنجار في جموع عظيمة، وطال عليها مقامه، فلم يملكها، وملكها ابنه الملك الأشرف بأهون سعي، وبعد أن فرغ الملك الأشرفي من سنجار، سار إلى الموصل ووصل إليها في تاسع عشر جمادى الأولى، وكان يوم وصوله إليها يوماً مشهوداً. وكتب إلى مظفر الدين صاحب إربل يأمره أن يعيد صهره عماد الدين زنكي بن أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن عماد الدين زنكي، على بدر الدين لؤلؤ القلاع التي استولى عليها، فأعادها جميعها، وترك في يده منها العمادية، واستقر الصلح بين الملك الأشرف وبين مظفر الدين كوكبوري صاحب إربل، وعماد الدين زنكي بن أرسلان شاه صاحب العقر، وشوش والعمادية. وكذلك استقر الصلح بينهم وبين صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ.
ولما استقر ذلك رحل الملك الأشرف عن الموصل ثاني شهر رمضان من هذه السنة، وعاد إلى سنجار، وسلم بدر الدين لؤلؤ قلعة تلعفر إلى الملك الأشرف، ونقل الملك الأشرف ابن المشطوب من حبس الموصل وحطه مقيداً في جب بمدينة حران حتى مات، سنة تسع عشرة وستمائة، ولقي بغيه وخروجه مرة بعد أخرى.
ذكر وفاة الملك المنصور صاحب حماة
وفي هذه السنة توفي الملك المنصور محمد ابن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب صاحب حماة، بقلعة حماة، في ذي القعدة، وكانت مدة مرضه إحدى وعشرين يوماً، بحمى حادة وورم دماغه. وكان شجاعاً عالماً يحب العلماء، ورد إليه منهم جماعة كثيرة، مثل الشيخ سيف الدين علي الآمدي، وكان في خدمة الملك المنصور قريب مائتي متعمم من النحاة والفقهاء والمشتغلين بغير ذلك، وصنف الملك المنصور عدة مصنفات، مثل: المضمار في التاريخ، وطبقات الشعراء. وكان معتنياً بعمارة بلده، والنظر في مصالحه،