للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملك الأشرف، ولم يكن للملك الأشرف ولد، فجعل أخاه الملك المظفر غازي ولي عهده، وأعطاه ميافارقين وخلاط وبلادها، وهي إقليم عظيم يضاهي ديار مصر، وأخذ الملك الأشرف منه الرها وسروج.

وفي هذه السنة توفي بالموصل الشيخ صدر الدين محمد بن عمر بن حمويه، شيخ الشيوخ بمصر والشام، وكان فقيهاً فاضلاً من بيت كبير بخراسان، وخلف أربعة بنين عرفوا بأولاد الشيخ، تقدموا عند السلطان الملك الكامل، وسنذكر بعض أخبارهم في موضعها إن شاء الله تعالى، وكان الشيخ صدر الدين المذكور، قد توجه رسولاً إلى بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، فمات هناك.

ذكر مسير التتر إلى خوارزم شاه وانهزامه وموته

لما ملك التتر سمرقند، أرسل جنكزخان، لعنه الله، عشرين ألف فارس في أثر خوارزم شاه محمد بن تكش، وهذه الطائفة يسميها التتر المغربة، لأنها سارت نحو غرب خراسان، فوصلوا إلى موضع يقال له بنح آو وعبروا هناك نهر جيحون وصاروا مع خوارزم شاه في بر واحد، فلم يشعر خوارزم شاه وعسكره إلا والتتر معه، فتفرق عسكره وذهبوا أيدي سبا، ورحل خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش لا يلوى على شيء في نفر من خواصه، ووصل إلى نيسابور والتتر في إثره، فلما قربوا منه رحل خوارزم شاه إلى مازندران. والتتر في إثره لا يلتفتون إلى شيء من البلاد، ولا إلى غير ذلك، بل قصدهم إدراك خوارزم شاه. وسار من مازندران إلى مرسى من بحر طبرستان تعرف باسكون، وله هناك قلعة في البحر، فعبر هو وأصحابه إليها، فوقف التتر على ساحل البحر وأيسوا من اللحاق بخوارزم شاه.

ولما استقر خوارزم شاه بهذه القلعة، توفي فيها، وهو علاء الدين محمد بن علاء الدين تكش ابن أرسلان بن أطسز بن محمد بن أنوشتكين غرشه، وكانت مدة ملكه إحدى وعشرين سنة وشهوراً، واتسع ملكه وغم محله، ملك من حد العراق إلى تركستان، وملك بلاد غزنة وبعض الهند، وملك سجستان وكرمان وطبرستان وجرجان وبلاد الجبال وخراسان وبعض فارس، وكان فاضلاً عالماً بالفقه والأصول وغيرهما، وكان صبوراً على التعب وإدمان السير، وسنذكر شيئاً من أخباره عند ذكر مقتل ولده جلال الدين.

ولما أيس التتر من إدراك خوارزم شاه عادوا إلى مازندران، ففتحوها وقتلوا أهلها، ثم ساروا إلى الري وهمذان ففعلوا كذلك من الفتك والسبي، ثم ملكوا مراغة، في صفر سنة ثمان عشرة وستمائة، ثم ساروا إلى حران واستولوا عليها، ونازلوا خوارزم، وقاتلهم أهلها مدة أشد قتال، ثم فتحوها، وكان لها سد في نهر جيحون ففتحوه، وركب خوارزم الماء فغرقها، وفعلوا في هذه البلاد جميعها من قتل أهلها وسبي ذراريهم وقتل العلماء والصلحاء والزهاد والعباد، وتخريب الجوامع، وتحريق

<<  <  ج: ص:  >  >>