المصاحف، ما لم يسمع بمثله في تاريخ قبل الإسلام، ولا بعده، فإن واقعة بخت نصر مع بني إسرائيل لا تنسب إلى بعض ما فعله هؤلاء، فإن كل واحدة من المدن التي أخربوها أعظم من القدس بكثير، وكل أمة قتلوهم من المسلمين أضعاف بني إسرائيل الذين قتلهم بخت نصر.
ولما فرغ التتر من خراسان عادوا إلى ملكهم، فجهز جيشاً كثيفاً إلى غزنة، وبها جلال الدين منكبرني بن علاء الدين محمد خوارزم شاه المذكور مالكاً لها، وقد اجتمع إليه جمع كثير من عسكر أبيه، قيل كانوا ستين ألف مقاتل، وكان الجيش الذي سار إليهم من التتر اثني عشر ألفاً، فالتقوا مع جلال الذين واقتتلوا قتالاً شديداً، وأنزل الله نصره على المسلمين، وانهزمت التتر، وتبعهم المسلمون يقتلونهم كيف شاؤوا.
ثم أرسل جنكزخان لعنه الله عسكراً أكثر من أول مع بعض أولاده، ووصلوا إلى كابل، وتصافف معهم المسلمون، فانهزم التتر ثانياً وقتل المسلمون فيهم وغنموا شيئاً كثيراً، وكان في عسكر جلال الدين أمير كبير مقدام، هو الذي كسر التتر على الحقيقة، يقال له بغراق، وقع بينه وبين أمير كبير يقال له ملكخان، وهو صاحب هراة، وله نسب إلى خوارزم شاه، فتنة بسبب المكسب، قتل فيها أخو بغراق، فغضب بغراق وفارق جلال الدين وسار إلى الهند، وتبعه ثلاثون ألف فارس، ولحقه جلال الدين منكبرني واستعطفه، فلم يرجع، فضعف عسكر جلال الدين بسبب ذلك، ثم وصل جنكزخان اللعين بنفسه في جيوشه، وقد ضعف جلال الدين بما نقص من جيوشه بسبب بغراق، فلم يكن له بجنكزخان قدرة، فترك جلال الدين البلاد وسار إلى الهند، وتبعه جنكزخان حتى أدركه على ماء عظيم، وهو نهرالسند، ولم يلحق جلال الدين ومن معه أن يعبروا النهر، فاضطروا إلى القتال، وجرى بينهم وبين جنكزخان قتال عظيم لم يسمع بمثله، وصبر الفريقان، ثم تأخر كل منهما عن صاحبه، فعبر جلال الدين ذلك النهر إلى جهة الهند، وعاد جنكزخان فاستولى على غزنة وقتلوا أهلها ونهبوا أموالهم.
وكان قد سار من التتر فرقة عظيمة إلى جهة القفجاق واقتتلوا معهم، فهزمهم التتر واستولوا على مدينة القفجاق العظمى، وتسمى سوادق، وكذلك فعلوا بقوم يقال لهم اللكزي، بلادهم قرب دربند شروان، ثم سار التتر إلى الروس، وانضم إلى الروس القفجاق، وجرى بينهم وبين التتر قتال عظيم انتصر فيه التتر عليهم، وشردوهم قتلاً وهرباً في البلاد.
وفيها في شوال توفي رضي الدين المؤيد بن محمد بن علي الطوسي الأصل النيسابوري الدار، المحدث، وكان أعلى المتأخرين إسناداً، سمع كتاب مسلم من الفقيه أبي عبد الله محمد بن الفضل القراوي، وكان القراوي فاضلاً قرأ الأصول على إمام الحرمين، وسمع القراوي المذكور صحيح مسلم على عبد الغافر الفارسي، وكان عبد الغافر إماماً في الحديث، صنف شرح مسلم وغيره، وتوفي محمد بن الفضل