كان من نهب ملطية ما ذكرناه، ألقى العسكر فيها النار، فاحترق غالبها، وكذلك خربنا ما مكننا من أسوارها أن نخربه، وأقمنا عليها نهاراً واحداً وليلة.
ثم ارتحلنا عائدين إلى البلاد، حتى وصلنا إلى مرج دابق في يوم الخميس، ثالث صفر من هذه السنة، وأقمنا به مدة، وكان ببلاد الروم جوبان، وهو نائب خربندا، ومعه جمع كثير، وكنا مستعدين فلم يقدم علينا، ولا جاء إلى ملطية إلا بعد رحيلنا عنها بمدة، فاستمرينا مقيمين بمرج دابق، وترددت الرسل إلى أوشين بن ليفون صاحب بلاد سيس في إعادة البلاد التي جنوبي جيحان، وزيادة القطيعة التي هي الأتاوة، فزاد القطيعة حتى جعلها نحو ألف ألف درهم، وبعد ذلك ورد الدستور، سرنا من مرج دابق في يوم الخميس ثاني ربيع الأول، ووصلنا إلى حماة في يوم الخميس تاسع ربيع الأول، وبعد يومين من وصولي، وصل الأمير سيف الدين تنكز بباقي العساكر، وعملت له ضيافة بداري التي بمدينة حماة، فمضى هو والأمراء في يوم الأحد، ثاني عشر ربيع الأول، ثم سافر في النهار المذكور إلى دمشق.
وفيها في مدة مقامي بمرج دابق، قبض بمصر على أيد غدي شقير الحسامي، وكان من شرار الناس، وعلى بكتمر الحاجب، وعلى بهادر الحسامي المغربي.
وفيها جهزت خيل التقدمة إلى الأبواب الشريفة، صحبة مملوكي أستبغا، فحصل قبولها والإحسان علي أولاً بحصان برقي بسرجه، ولجامه، ثم بخلعه أطلس أحمر بطرز زركش، وكلوته زركش، وشاش تساعي، وهو شاش منسوج جميعه بالحرير والذهب، وقبا أطلس أصفر تحتاني، وحياصة ذهب بجامة مجوهرة بفصوص بلخش ولؤلؤ، وثلاثين ألف درهم، وخمسين قطعة من القماش السكندراني، وسيف، ودلكش أطلس أصفر، فلبست التشريف السلطاني المذكور، وركبت في الموكب به في يوم الخميس ثاني رجب الفرد، الموافق لثاني تشرين الأول، أيضاً وشملتني الصدقات السلطانية بتوقيع شريف، أن لا تكون بحماة وبلادها حماية للدعوة الإسماعيلية، أهل مصياف، بل يتساوون مع رعية حماة في أداء الحقوق والضرائب الديوانية وغير ذلك.
وفيها قبض على تمر الساقي، نائب السلطنة بالفتوحات، وعلى بهادراص.
وفيها سار الملك الصالح، واسمه صالح ابن الملك المنصور غازي ابن الملك المظفر قرا أرسلان، صاحب ماردين، إلى خدمة خربندا ملك التتر، بالتقادم على عادة والده، فأحسن إليه خربندا، ثم عاد الملك الصالح المذكور إلى ماردين في جمادى الآخرة من هذه السنة.
وفي أثناء هذه السنة ورد إلى الأبواب الشريفة، رميثة بن أبي نمي من مكة، وهو أخو حميضة الأكبر، مستنجداً على أخيه حميضة صاحب مكة حينئذ، فجهز السلطان مع رميثة عسكراً من العساكر المصرية، وجهزهم بما يحتاجون إليه، فسار بهم رميثة إلى مكة، وكان مقدم العسكر تمرخان بن قرمان أمير طبلخاناه، وأمير آخر يقال له