وإن من العجيب حقًّا: أن ابن حبان قد التزم هذا الشرط في الخبر الذي تقوم به الحجة، ولكنه بدل أن يذكره في مقدمة "ثقاته" وضعه في مقدمة "ضعفائه"! فقال تحت عنوان: "الحث على حفظ السنن ونشرها"(ص ٨):
"وأقل ما يثبت به خبر الخاصة حتى تقوم به الحجة على أهل العلم: هو خبر الواحد الثقة في دينه، المعروف بالصدق في حديثه، العاقل بما يحدث به، العالم بما يحيل معاني الحديث من اللفظ ... ".
ولكنه وقع في مخالفة أخرى! وهي اشتراطه: العلم بما يحيل المعنى! وأكد ذلك في موضع آخر منه، فقال تحت "أجناس من أحاديث الثقات التي لا يجوز الاحتجاج بها"(ص ٩٣):
"الجنس الرابع: الثقة الحافظ، إذا حدث من حفظه، وليس بفقيه؛ لا يجوز عندي الاحتجاج بخبره ... ".
فيا سبحان الله! ما أشد تناقضه وتهاتره مع علمه وفضله وحفظه -! فأين هذا التعنت والتنطع في هذا الكتاب "الضعفاء" من ذاك التسامح والتساهل في ذاك الكتاب "الثقات"؟! ولو أن هذا التعنت كان صوابًا؛ لَكان الأليق أن يذكر في ذاك، وليس في هذا!
ثم هو مع مخالفته لما عليه العلماء في (المصطلح)؛ حيث لم يذكروا هذا الشرط؛ فإنه مخالف لصريح قوله - عليه الصلاة والسلام -:
"نضر الله امرءًا سمع منا حديثًا، فبلغه غيره، فرُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه ... " الحديث، رواه المصنف من حديث زيد بن ثابت، وابن مسعود كما سيأتي في أول (٢ العلم)، وترجم له بما يرد عليه؛ فراجعه.
كما هو مخالف لعمومات النصوص الآمرة بالتبليغ لِقوله - صلى الله عليه وسلم -: