للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: وبهذا التحقيق، والتَّتَبُّعِ لهذه الأمثلة في كتاب "الثقات"، وما قاله مؤلفه فيها وفي غيرها؛ يتجلى لكل ذي بصيرة أن ما رماه الحفاظ العارفون به من التساهل في التوثيق، ومخالفة الجمهور، وأن له فيه الأوهام الكثيرة؛ كل ذلك حق لا ريب فيه؛ بل إنه أخل أيضًا بالقاعدة التي وضعها في مقدمته كما سبق: "العدل من لم يعرف بجرح"!! فأورد فيه جمهورًا كبيرًا ممن جرحهم هو نفسه فضلًا عن غيره، مما أغنانا هو عن الاستشهاد بأقوالهم فيهم!!

على أنه لا ينبغي أن يفوتني التنبيه أنه خالف جمهور المحدثين أيضًا بإخلاله في القاعدة المذكورة بشرط الحفظ والضبط في العدل، كما هو مقرر في كافة كتب المصطلح وغيرها، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في "الفتاوى" (١٨/ ٤٥):

"الخطأ في الخبر يقع من الراوي إما عمدًا، أو سهوًا، ولهذا اشترط في الراوي (العدالة)؛ لنأمن من تعمد الكذب، و (الحفظ، والتيقظ)؛ لنأمن من السهو ... ".

وقد لخص الحافظ ابن حجر ما في (المصطلح) بأوجز عبارة، فقال في رسالته النافعة الهامة: "نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر":

"وخبر الآحاد بنقل (عدلٍ)، (تام الضبط)، متصل السند، غير معلل، ولا شاذ؛ هو الصحيح لذاته، وتتفاوت رتبه بتفاوت هذه الأوصاف، ومن ثَمَّ قُدم "صحيح البخاري"، ثم "مسلم"، ثم شرطهما، فإنْ خف الضبط؛ فالحسن لذاته، وبكثرة الطرق يصحح" (١).


(١) قلت: وهذا التعريف للحسن لذاته: هو الذي عرَّفه به ابن دحية، وهو أحسن ما عُرِّف به، كما قال الحافظ في "نكته" (١/ ٤٠٤ - ٤٠٥)؛ وهو الذي جريت عليه في كل تخريجاتي، والحمد لله.

<<  <  ج: ص:  >  >>