(العدل)! في "ثقاته" بأنه: "من لم يعرف بجرح" كما تقدم (ص ١١) , ألا وهو قوله:"من كان ظاهر أحواله طاعة اللَّه ... "، وهذا يعني أنه معروف بالطاعة، وخلافه - وهو الفاسق - من كان أكثر أحواله معصية اللَّه، فلم يكتف هنا بالتزام الأصل، والوقوف مع حسن الظن بالمسلم كما فعل هناك؛ بل إنه أضاف أن يكون معروفًا بغلبة الطاعة عليه التي تنافي الإكثار من المعصية، هذا الإكثار الذي يخرج به صاحبه من العدالة إلى الفسق.
وإن مما لا شك فيه: أن التفريق بين المكثر من الطاعة، والمكثر من المعصية يتطلب أمرًا زائدًا على حسن الظن، وهو البحث عن الراوي، وعن سلوكه، فإذا تبين أن الغالب عليه هو الطاعة؛ فهو العدل عند ابن حبان هنا.
وليس هذا فقط؛ بل إنه أضاف شيئًا آخر في العدل في الرواية على العدل في الشهادة؛ أَلا وهو أن يكون صادقًا في روايته للحديث، وهذا منه شيء هام جدًّا؛ فإن كونه صادقًا فيه لا يمكن إثباته لمجرد كونه مسلمًا عدلًا، وإنما بالسبر لحديثه, والنظر في رواياته، ومقابلتها بروايات الثقات، أو بتوثيق من يعرف صناعة الحديث؛ كما ألمح إليه في جملته الأخيرة التي ختمها مؤكدًا ما ذكرت بقوله:
"في الرواية والدين معًا".
ولذلك قال الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - في تعليقه عليها:
"يريد ابن حبان أن التعديل للراوي يجب أن يكون من علماء الحديث الذين مارسوا صناعته، وعرفوا دقائق الراوية، ونقدوا الرواة على الميزان الصحيح في الجرح والتعديل، وأنه لا يكفي تعديل المعدِّلين الذين كانوا في العصور السابقة يعدلون الشهود للقضاة؛ إذ "ليس كل معدِّل من هؤلاء يعرف صناعة الحديث" ... ".