للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

انتقاد بعضهم لبعض ما اشترط، وليس منهم الشيخ أحمد شاكر - رحمه اللَّه - الذي أعرف منه اعتماده الوثيق على توثيق ابن حبان؛ سماعًا مني له في لقائي إياه في المدينة النبويَّة منذ نحو نصف قرن من الزمان، وفي أول حَجَّة لي، وفي تتبعي لتخريجاته على "المسند" - وغيره -.

وإنما عجبي من ثنائه على وفائه بشروطه في "الصحيح"، مع مخالفة ذلك للواقع الذي لا يمكن لأحد إنكاره؛ إلَّا من غافل غفلةً لا ينجو منها إلَّا النبي المعصوم - صلى الله عليه وسلم -، فقد قال بعد أن حكى أقوال الحفاظ في "الصحيح" من قادح ومادح، والتي سبقت الإشارة إليها في أول المقدمة، قال في ختامها (ص ١٤):

"ولكني أستطيع أن أجزم أو أرجح أن ابن حبان شرط لتصحيح الحديث في كتابه شروطًا دقيقة واضحة بينة، وأنه وفى بما اشترط، كما قال الحافظ ابن حجر؛ إلَّا ما لا يخلو منه عالم أو كاتب ... " (١)!!

قلت: وهذه غفلة عجيبة من مثل هذا الباحث المحقق، وما أوقعه فيها إلَّا حسن ظنه بابن حبان، ووقوفه عند الشروط المذكورة دون أن يتحقق من التزام المؤلف إياها في كتابه عمليًّا، وأنا أعلل ذلك بأن الظروف لم تساعده على دراسة "الصحيح" كما ينبغي، وأنه لم يصدر منه إلَّا جزءًا فيه (١٣٨) حديثًا فقط، منها خمسة أحاديث ضعيفة في نقدي، لكن المهم في عمله فيه: أنه لم يكن في تعليقه عليه إلَّا مخرجًا مستعجلًا، غير ناقد؛ لِذلك سكت عن كثير من أحاديثه، ورُواته الضعفاء، وأوضح مثال على ذلك أنه مر على حديث بدء الوحي فيه رقم (٣٢)، ولم يعلق عليه بشيء ينبه القراء على النكارة التي وقعت في "صحيح ابن حبان"، لا تناسب مقامه - عليه الصلاة والسلام -، وهي بلفظ:


(١) وقلّده الإمّعة الداراني؛ فذكر معناه في مقدمة "الموارد" (١/ ٣٩)؛ دون أن يشير إلى أنَّه أخذه منه! وذكر ابن حجر فيه أراه وهمًا، كما يأتي بيانه قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>