للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنَّ حالهم كان دون حال نصارى الشام والجزيرة. فكان عمر - رضي الله عنه - يراعي في ذلك حال أهل الكتاب، كما كان يراعي حالهم في الجزية وفي الخراج، فبعضهم شرطها عليهم يومًا وليلةً وبعضهم شرطها عليهم ثلاثًا.

وأمَّا قوله: «إنهم إذا لم يقوموا بما عليهم وقَدَر لهم على مال لم يأخذه بناءً على مسألة الظفر»، فليس كذلك. والسُّنَّة قد فرَّقت بين هذا وبين مسألة الظفر التي (١) لا يجوز الأخذ بها، لأنَّ (٢) سبب الحقِّ هاهنا ظاهرٌ فلا ينسب الآخذ إلى خيانةٍ (٣) لظهور حقِّه بخلاف ما إذا لم يكن ظاهرًا (٤).

ولهذا أفتى النبي - صلى الله عليه وسلم - هِندًا بأن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وولدها بالمعروف (٥)، كما جوَّز للضيف أن يأخذ مثل قِرَاه إذا لم يُضيَّف (٦). فجاءت السنة بالأخذ في هذين الموضعين، وجاءت بالمنع لمَن سأله: أنَّ لنا جيرانًا لا يدعون لنا شاذَّةً ولا فاذَّةً (٧) إلا أخذوها، أفنأخذ من أموالهم؟ الحديث (٨).


(١) في الأصل: «الذي».
(٢) في الأصل: «ان»، وقد سبق مثله غير مرَّة.
(٣) في الأصل والمطبوع: «جناية»، والمثبت هو الصواب.
(٤) وقد بحث المؤلف هذه المسألة أيضًا في «إغاثة اللهفان» (٢/ ٧٦٩ - ٧٧٨).
(٥) أخرجه البخاري (٢٢١١) ومسلم (١٧١٤) من حديث عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها -.
(٦) كما في حديث عقبة بن عامر عند البخاري (٢٤٦١) ومسلم (١٧٢٧) بلفظ: «إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حقَّ الضيف الذي ينبغي لهم».
(٧) في الأصل والمطبوع: «سادة ولا قادة»، تحريف.
(٨) أخرجه عبد الرزاق (٦٨١٨) من حديث دَيسَم السَّدُوسي عن بشير ابن الخصاصية أنهم سألوا نبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ لنا جيرة من بني تميم لا تَشِذُّ لنا شاةٌ إلا ذهبوا بها، وإنها تخفى لنا من أموالهم أشياء، أفنأخذها؟ قال: لا». في إسناده لين لجهالة دَيسم، ثم قد اختلف في رفعه ووقفه، فقد أخرجه أحمد (٢٠٧٨٥) وأبو داود (١٥٨٦ مختصرًا دون موضع الشاهد) عن دَيسم أنهم سألوا بشيرًا ذلك فأجابهم.