للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويؤيِّد ذلك: أن وقوع قصتين مثل هذه لأعميين، كلٌّ منهما كانت المرأة تحسن إليه وتكرر الشتم، وكلاهما قتلها وحده، وكلاهما نشد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها الناس= بعيدٌ في العادة.

وعلى هذا التقدير فالمقتولة (١) يهوديةٌ كما جاء مفسرًا في تلك الرواية. ويمكن أن تكونا قصتين كما يدل عليه ظاهر الحديثين.

فإن قيل: يجوز أن تكون هذه المرأة من أهل الحرب ليست من أهل الذمة، وحينئذ لا يدل على قتل الذمي المعاهَد وانتقاض عهده بالسب.

قيل: هذا ظنَّه بعضُ الناس الذين ليس لهم بالسنة كثير علمٍ. وهو غلطٌ لأن هذه المرأة كانت من اليهود، وكانت (٢) موادِعةً مهادِنةً، لأن (٣) النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة وادع جميع اليهود الذين كانوا بها موادعةً مطلقةً، ولم يضرب عليهم جزيةً، وهذا مشهورٌ عند [أهل] العلم بمنزلة التواتر بينهم.

قال الشافعي رحمه الله تعالى (٤): لم أعلم مخالفًا من أهل العلم بالسير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمَّا نزل المدينة وادع يهود كافةً على غير جزيةٍ.

وهو كما قال الشافعي رحمه الله تعالى، وذلك أن المدينة كان فيما حولها ثلاثة أصنافٍ من اليهود: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة. وكان بنو قينقاع وبنو النضير حلفاء الخزرج، وكانت قريظة حلفاء الأوس. فلما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم -


(١) في الأصل: «المقتول»، والمثبت من «الصارم».
(٢) «من اليهود، وكانت» سقط من المطبوع لانتقال النظر.
(٣) في الأصل: «ان»، وقد سبق مثله في الأصل مرارًا.
(٤) في «الأم» (٥/ ٥٠٣)، والمؤلف صادر عن «الصارم» (٢/ ١٢٨).