للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا كان - صلى الله عليه وسلم - قد عاهد اليهود عهدًا بغير ضرب جزيةٍ عليهم، ثم إنه أهدر دم يهوديةٍ منهم لأجل سبِّه، فأن يُهدَر دمُ يهوديةٍ من اليهود الذين ضُربت عليهم الجزية والتزموا أحكام الملة، لأجل السب= أولى وأحرى.

ولو لم يكن قتلُها جائزًا لبيَّن لقاتلها قبح ما فعل، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لا يقرُّ على باطلٍ، كيف وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن من قتل نفسًا معاهدةً بغير حقِّها لم يَرَحْ رائحة الجنة» (١)، ولأوجب ضمانها وكفارة قتل المعصوم؛ فلما أهدر دمها عُلم أنه كان مباحًا.

وقد وهم الخطابي (٢) في أمر هذه المقتولة فقال: «فيه بيانُ أن ساب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقتل، وذلك أن السب منها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارتدادٌ عن الدين»، فاعتقد أنها مسلمةٌ، وليس في الحديث ما يدل على ذلك، بل الظاهر أنها كانت كافرةً كما صرح به في الحديث. ولو كانت مرتدةً منتقلةً إلى غير دين الإسلام لم يُقِرَّ [ها] سيدُها على ذلك أيامًا طويلةً، ولم يكتفِ بمجرد نهيها عن السب، بل كان [يطلب] (٣) منها العودَ إلى الإسلام، والرجل لم يقل: كفرَتْ ولا ارتدَّتْ، وإنما ذكر مجرَّد السب والشتم، فدلَّ على أنها لم يصدر منها زائدٌ عليه.


(١) أخرجه أحمد (٢٠٥٠٦، ٢٠٥٢٣) والنسائي في «الكبرى» (٨٦٩٠) وابن حبان (٤٨٨٢، ٧٣٨٢) وغيرهم من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه -. وأخرجه البخاري (٣١٦٦) من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - دون لفظة: «بغير حقها».
(٢) في «معالم السنن» (٦/ ١٩٩).
(٣) بياض في الأصل قدر كلمة، والمثبت من «الصارم».