للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى أذرعاتٍ، وهم بنو قينقاع الذين كانوا بالمدينة.

فقد ذكر ابن كعب مثل ما في هذه الصحيفة، وبيَّن أنَّه عاهد جميع اليهود. وهذا ممَّا لا يُعلَم فيه نزاعٌ بين أهل العلم بسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومن تأمل الأحاديث المأثورة والسيرة كيف كانت معهم علم ذلك ضرورةً.

ومما يوضح ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ذُكر له (١) أنها قُتلت نشد الناس في أمرها، فلمَّا ذكر له ذنبها أبطل دمها. وهو - صلى الله عليه وسلم - إذا حكم بأمرٍ عقيب حكاية حالٍ حُكيت له دلَّ ذلك على أن ذلك المحكيَّ هو الموجِب لذلك الحكم، لأنه حكمٌ حادثٌ فلا بد له من سبب حادثٍ، ولا سبب إلا ما حُكي وهو مناسبٌ فيجب الإضافة إليه.

وأيضًا: فلما نشد النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس في أمرها ثم أبطل دمها دلَّ على أنها كانت معصومةً، وأنَّ دمها كان قد انعقد سببُ ضمانه، وكان مضمونًا لو لم يبطله النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنها [لو] (٢) كانت حربيةً لم ينشد الناس فيها ولم يحتَجْ أن يُبطِل دمَها ويُهدره، لأن الإبطال والإهدار لا يكون إلا لدمٍ قد انعقد له سبب الضمان. ولهذا لما رأى امرأةً مقتولةً في بعض مغازيه أنكر قتلها ونهى عن قتل النساء (٣)، ولم يبطله ولم يهدره، فإنه إذا كان في نفسه باطلًا هدرًا، والمسلمون يعلمون أن دم الحربية غير مضمونٍ، بل هو هدرٌ= لم يكن لإبطاله وإهداره وجهٌ. وهذا ــ ولله الحمد ــ ظاهرٌ.


(١) في الأصل: «لها» مستشكلًا له بـ «ظ» في الهامش.
(٢) زيادة لازمة من «الصارم».
(٣) كما في حديث ابن عمر عند البخاري (٣٠١٤، ٣٠١٥) ومسلم (١٧٤٤).