للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعلومٌ قطعًا أن دخولهم في دين اليهودية كان بعدَ تبديله وبعدَ مجيء المسيح، ولم يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدًا ممن أقرَّه بالجزية متى دخل آباؤه في الدين، ولا من كان يأكل هو وأصحابه من ذبائحهم من اليهود، ولا أحدٌ من خلفائه بعده (١) البتةَ.

وكيف يمكن العلم بهذا أو يكون شرطًا في حِلِّ المناكحة والذبيحة والإقرار بالجزية، ولا سبيل إلى العلم به إلا لمن أحاط بكلِّ شيء علمًا؟! وأيُّ شيء يتعلَّق به من آبائه إذا كان هو على دينٍ باطلٍ لا يقبله الله؟ فسواءٌ كان آباؤه كذلك أو لم يكونوا.

والنبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ الجزية من يهود اليمن، وإنما دخلوا في اليهودية بعد المسيح في زمن تُبَّعٍ، وأخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه من بعده من نصارى العرب، ولم يسألوا أحدًا منهم عن مبدأ دخوله في النصرانية هل كان قبل المبعث أو بعده، وهل كان بعد النسخ والتبديل أم لا؟

وقد اختلف كلام الشافعي رحمه الله تعالى في الجزية والمناكحة فقال في "المختصر" (٢): وأصلُ ما أَبني عليه أن الجزية لا تُقبَل من أحدٍ دان دينَ كتابٍ، إلا أن يكون آباؤه دانوا به قبلَ نزول الفرقان، فلا تُقبل ممن بدَّل يهوديةً بنصرانيةٍ أو نصرانيةً بمجوسيةٍ أو مجوسيةً بنصرانيةٍ أو بغير الإسلام. وإنما أذن الله عز وجل بأخذ الجزية منهم على ما دانوا به قبل محمد، وذلك


(١) "بعده" ساقطة من المطبوع.
(٢) "مختصر المزني" (ص ٣٨٧) و"الأم" (٥/ ٤٣٦).