للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خلاف ما أحدثوا من الدين بعده، فإن أقام على ما كان عليه وإلا نُبِذ إليه عهدُه وأُخرِج من بلاد الإسلام بماله، وصار حربًا، ومن بدَّل دينَه من كتابيةٍ لم يحلَّ نكاحُها.

قال المزني (١): قد قال في كتاب النكاح: "إذا بدَّلت بدينٍ يحلُّ نكاح أهله فهي حلالٌ". وهذا عندي أشبه، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: ٥٣] (٢). فمن دان منهم دينَ أهل الكتاب قبلَ نزول الفرقان وبعده سواءٌ عندي في القياس. وبالله التوفيق.

قال المنازعون له: الكلام على هذا من وجوهٍ:

أحدها: أن يقال: الأصل الذي تبني عليه لا بدَّ أن يكون معلومًا ثبوتُه بكتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - نصًّا أو استنباطًا، فأين في كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله أن الجزية لا تُقبل ممن دان بدينٍ إلا أن يكون آباؤه دانوا به قبل نزول الفرقان؟ وأين يُستنبط ذلك منهما أو من أحدهما فيكون أصلًا منصوصًا أو مستنبطًا؟

الثاني: أن سكوت القرآن والسنة عن اعتبار ذلك في جميع المواضع، وعن الإيماء إليه والدلالة عليه= دليل على عدم اعتباره.


(١) الكلام متصل بما قبله في "المختصر".
(٢) أي: قرأ ابن عباس هذه الآية مستدلًّا بها على أن من تنصَّر فحكمه حكمهم، كما عند الطبري (٨/ ١٣٠) وغيره. وفي المطبوع: "وقال ابن عباس في قوله تعالى"، إقحام أفسد المعنى، فإن ما بعد الآية كلام المزني وليس تفسير ابن عباس.