للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني عشر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يؤمر بالجهاد كان يُقِرُّ الناس على ما هم عليه، ويدعوهم إلى الإسلام، بل كانت المرأة تُسلِم وزوجها كافرٌ فلا يفرِّق الإسلام بينهما، ولم يَنزِل تحريم المسلمة على الكافر إلا بعد صلح الحديبية.

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الناس في الدعوة مراتب: فإنه أُمِر أولًا أن يقرأ باسم ربه، ثم أُمر ثانيًا أن يقوم نذيرًا، فأُمِر بإنذار عشيرته وقومه ودعوتهم إلى الله تعالى، ثم أُمِر بإنذار الناس والصبر والعفو والهجر لمن آذاه، ثم أُمر بالهجرة، ثم أُمر بقتال من قاتله، ثم أُمر بالجهاد العام، ثم بضرب الجزية على أهل الكتاب، فضَربها عليهم وأَلحق بهم المجوس، وكانت العرب من عبّاد الأوثان قد دخلوا كلهم في الدين، وكان - صلى الله عليه وسلم - يُقِرُّ الناس على ما هم عليه حتى يأتيه الأمر من الله بما يأخذهم به ويفعله معهم. فلما جاءه أمره بالهجرة بادر إلى امتثاله، ثم جاءه الأمر بالجهاد فقام به حقَّ القيام، ثم جاءه الأمر بالتفريق بين المؤمنات والكفَّار في النكاح، ثم جاءه الأمر بصلح الكفار بتوادعهم، ثم جاءه الأمر بأخذ الجزية منهم وإقرارهم على دينهم ولا يتعرَّض لهم ما لم ينقُصوه شيئًا مما شرط عليهم، فلم يكن قبل الهجرة والجهاد يمنع من أراد التهوُّد أو التنصُّر من أهل الأوثان، فلما علَتْ كلمة الإسلام وصار للمسلمين الغلبةُ والقهر منع من أراد منهم التهوُّد أو التنصُّر بعد أن أقرَّ بالإسلام، وأمر بقتله إن لم يراجع دينَ الإسلام، ولم يمنع يهوديًّا من نصرانيةٍ، ولا نصرانيًّا من يهوديةٍ كما منع المسلم منهما.