للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد علم - صلى الله عليه وسلم - أن من أبناء الأنصار من دخل في اليهودية بعد النسخ والتبديل، كما روى أبو داود في "سننه" (١) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كانت المرأة تكون مِقلاتًا فتجعل على نفسها إن عاش لها ولدٌ أن تُهوِّده، فلما أُجلِيتْ بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا: لا نَدَعُ أبناءنا، فأنزل الله عز وجل: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: ٢٥٤].

قال أبو داود: المِقْلات التي لا يعيش لها ولدٌ.

وهو يدلُّ على أن من تهوَّد وإن كان أصله غيرَ يهودي فإنه مثلهم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يمنع قبل فرض الجهاد ولا بعده وثنيًّا دخل في دين أهل الكتاب، بل ولا يهوديًّا تنصَّر أو نصرانيًّا تهوَّد أو مجوسيًّا دخل في التهوُّد والتنصُّر. بل جمهور الفقهاء اليوم يُقِرُّونه على ذلك (٢) كما هو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايات عنه، وعنه رواية ثانيةٌ: لا يُقبل منه إلا الإسلام، وعنه رواية ثالثةٌ: لا يُقبل منه إلا الإسلام أو دينه الأول إن كان دينًا يقرّ أهله عليه.

الثالث عشر: أنه لو لم يعرف له أبٌ لكونه لقيطًا، أو انقطع نسبه من أبيه


(١) برقم (٢٦٨٢)، وأخرجه أيضًا النسائي في "الكبرى" (١٠٩٨٢، ١٠٩٨٣) والطبري في "تفسيره" (٤/ ٥٤٦) وابن حبان (١٤٠) والضياء في "المختارة" (١٠/ ٧٢ - ٧٣)، من طرق عن شعبة، عن أبي بِشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وهذا إسناد صحيح على رسم الصحيحين.
(٢) انظر: "المغني" (١٢/ ٣٢، ١٣/ ٢٢٦)، و"نهاية المطلب" (١٢/ ٢٥١)، و"روضة الطالبين" (٧/ ١٤٠).