للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بكونه ولد زنًا، فإن ذلك لا يمنع اعتباره في دينه بنفسه. ولو كان من شرط ذلك دخول آبائه في الدين قبل النسخ والتبديل لم يثبت لهذا حكم دينه، ولم يُقرَّ عليه، لعدم أبيه حسًّا وشرعًا، إذ تبعيته هنا منتفيةٌ، وإنما له حكمُ نفسِه.

ولهذا قال الإمام أحمد ومن تبعه: أنه يحكم بإسلامه في هذه المواضع وفيما إذا مات أبواه أو أحدهما، وهو دون البلوغ؛ لأنه إنما كان كافرًا تبعًا لهما، وإلّا فهو على الفطرة الأصلية، فإذا لم يكن له من يتبعه على دينه كان مسلمًا؛ لأن مقتضى الفطرة موجودٌ والمغيِّر لها مفقودٌ. فأحمد اعتبر في بقائه على دينه وجودَ أبويه لتتحقق التبعية، والشافعي لم يعتبر بقاء الأبوين ولا وجودهما في كونه تبعًا لهما، فإذا كان قد أقرَّه على الدين الباطل حيث لا تتحقق تبعية الأبوين عُلِم أن إقراره لم يكن لأجل آبائه، وهو ظاهرٌ.

الرابع عشر: قوله (١): "وإنما أذن الله تعالى بأخذ الجزية منهم على ما دانوا به قبل محمد - صلى الله عليه وسلم -، وذلك خلاف ما أحدثوا من الدين بعده".

فيقال: إن أُريد بما دانوا به قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - فذلك إنما هو قبل مبعث المسيح، فلا تُقبل من يهودي جزيةٌ إلا أن يُعلَم أن آباءه توارثوا اليهودية قبل مبعث المسيح، فإنها بطلتْ بمبعثه، كما بطلتْ هي والنصرانية وسائر الأديان بمبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وإن أريد به ما دانوا به قبلَ مبعثه وإن كان باطلًا منسوخًا، فما الفرق بين ذلك وبين ما دانوا به بعد المبعث قبل أن تبلغهم الدعوة وتقوم عليهم


(١) أي قول الشافعي المذكور قبل صفحات.