للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال المزني (١): فمن دان منهم دينَ أهل الكتاب قبل نزول الفرقان وبعده سواءٌ عندي في القياس.

الوجه العشرون: أنه لو صح اشتراط ذلك الشرط لم يُبَحْ لنا ذبيحةُ أحدٍ من أهل الكتاب؛ لأنا لا نعلم متى دخل آباؤه في الدين، والجهل بوجود الشرط كالعلم بانتفائه في امتناع ثبوت الحكم قبل تحقُّقه.

وقد قال الشافعي (٢) - رحمه الله -: تنصَّرت (٣) قبائل من العرب قبل أن يبعث الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ويُنزِل عليه الفرقان فدانتْ بدين أهل الكتاب، فأخذ عليه الصلاة والسلام الجزية من أُكيدِر دُومةَ، وهو رجل يقال من غسَّان أو كِندةَ، ومن أهل ذمة اليمن، وعامتهم عرب، ومن أهل نجران وفيهم عرب، فدلَّ ما وصفتُ أن الجزية ليست على الأحساب وإنما هي على الأديان.

فقد صرَّح رحمه الله تعالى بعدم اعتبار الأنساب في الجزية، وأخبر أنها على الأديان، ومعلومٌ أن هذا لا فرقَ فيه بين (٤) أن يكون الآباء دانوا بالدين قبل تبديله أو لم يكونوا كذلك، وكونُ الآباء قد دخلوا في الدين قبل نزول القرآن بعد بطلانه وتبديله لا أثرَ له، فإنهم بين المبعث وضرب الجزية كانوا قد دخلوا في دينٍ يُقَرُّون عليه.


(١) المصدر نفسه.
(٢) في "الأم" (٥/ ٤٠٣ - ٤٠٥)، و"مختصر المزني" (ص ٣٨٤).
(٣) كذا في الأصل، وفي "الأم" و"المختصر": "انتوت" أي قصدت.
(٤) في المطبوع: "ولا فرق بينه وبين" خلاف ما في الأصل.