للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال في سورة الحج: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج: ١٧]، فلم يقل هاهنا: (من آمن منهم بالله واليوم الآخر)؛ لأنه ذكر معهم المجوس والذين أشركوا، فذكر ستَّ أممٍ، منهم اثنتان شقيتان، وأربع أممٍ منقسمة إلى شقي وسعيد، وحيث وعد أهل الإيمان والعمل الصالح منهم بالأجر ذكرهم أربع أممٍ ليس إلا. ففي آية الفصل بين الأمم أدخل معهم الأمتين، وفي آية الوعد بالجزاء لم يدخلهما معهم، فعُلِم أن الصابئين فيهم المؤمن والكافر والشقي والسعيد.

وهذه أمةٌ قديمةٌ قبل اليهود والنصارى، وهم أنواعٌ: صابئةٌ حنفاء وصابئةٌ مشركون. وكانت حرَّان دارَ مملكة هؤلاء قبل المسيح، ولهم كتبٌ وتآليف وعلومٌ، وكان في بغداد منهم طائفةٌ كبيرةٌ، منهم إبراهيم بن هلالٍ الصابئ (١) صاحب الرسائل، وكان على دينهم ويصوم رمضان مع المسلمين، وأكثرهم فلاسفةٌ، ولهم مقالاتٌ مشهورةٌ ذكرها أصحاب المقالات (٢).

وجملة أمرهم أنهم لا يكذِّبون الأنبياء ولا يوجبون اتباعهم، وعندهم أن من اتبعهم فهو سعيد ناجٍ، وأن من أدرك بعقله ما دَعَوا إليه فوافقَهم فيه


(١) من الكتّاب المشهورين، توفي سنة ٣٨٤. انظر ترجمته في "يتيمة الدهر" (٢/ ٢٤٢ وما بعدها)، و"معجم الأدباء" (١/ ١٣٠ - ١٥٨)، و"وفيات الأعيان" (١/ ٥٢ - ٥٤، ٣٩٢ - ٣٩٣) وغيرها.
(٢) انظر: "الملل والنحل" للشهرستاني (ص ٢٥٩ وما بعدها). وقد اعتمد عليه المؤلف في بيان عقائدهم.