للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعمل بوصاياهم فهو سعيد وإن لم يتقيَّدْ بهم. فعندهم دعوةُ الأنبياء حقٌّ، ولا تتعيَّن طريقًا للنجاة. وهم يُقِرُّون أن للعالم صانعًا مدبرًا حكيمًا منزَّهًا عن مماثلة المصنوعات، ولكنْ كثير منهم أو أكثرهم قالوا: نحن عاجزون عن الوصول إلى جلاله بدون الوسائط، والواجب التقرب إليه بتوسط الروحانيين المقدَّسين، المطهَّرين عن المواد الجسمانية، المبرَّئين عن القوى الجسدية، المنزَّهين عن الحركات المكانية والتغييرات الزمانية، بل قد جُبِلوا على الطهارة وفُطِروا على التقديس.

قالوا: وإنما أرشدنا إليهم معلِّمنا الأول هرمس، فنحن نتقرب إليهم وبهم، وهم آلهتنا وشفعاؤنا عند ربِّ الأرباب وإله الآلهة، فالواجب علينا أن نطهِّر نفوسنا عن الشبهات الطبيعية ونهذِّب أخلاقنا عن علائق القوة الغضبية (١)، حتى تحصل المناسبة بيننا وبين الروحانيات، فحينئذٍ نسأل حاجاتنا منهم، ونَعرِض أحوالنا عليهم، ونَصْبُو في جميع أمورنا إليهم، فيشفعون لنا إلى خالقنا وخالقهم ورازقنا ورازقهم. وهذا التطهر (٢) والتهذيب لا يحصل إلا برياضتنا وفطامِ أنفسنا عن دَنِيَّات الشهوات، وذلك إنما يتمُّ بالاستمداد من جهة الروحانيات، والاستمداد هو التضرُّع والابتهال بالدعوات، وإقامةِ الصلوات وإيتاء الزكوات، والصيام عن المطعومات والمشروبات، وتقريب القرابين والذبائح، وتبخير البخورات مع العزائم،


(١) في المطبوع: "العصبية"، تصحيف.
(٢) كذا في الأصل. وفي المطبوع: "التطهير".