للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معنى لمحاربة بعضها بعضًا، بل يُؤخذ بمحاسنها وما تكمل به النفوس وتتهذَّب به الأخلاق، ولذلك سُمُّوا صابئين، كأنهم صَبَأوا عن التعبد بكل ملّةٍ من الملل والانتساب إليها. ولهذا قال غير واحدٍ من السلف: ليسوا يهودَ ولا نصارى ولا مجوس (١)، وهم نوعان: صابئةٌ حنفاء، وصابئةٌ مشركون؛ فالحنفاء هم الناجون منهم، وبينهم مناظراتٌ وردٌّ من بعضهم على بعضٍ (٢)، وهم قوم إبراهيم، كما أن اليهود قوم موسى، والحنفاء منهم أتباعه.

وبالجملة، فالصابئة أحسن حالًا من المجوس، فأخذ الجزية من المجوس تنبيهٌ على أخذها من الصابئة بطريق الأَولى، فإن المجوس من أخبث الأمم دينًا ومذهبًا، ولا يتمسكون بكتابٍ، ولا ينتمون إلى ملّةٍ، ولا يثبت لهم كتابٌ ولا شبهة كتابٍ أصلًا. ولهذا لما ظهرت فارسُ على الروم فرح المشركون بذلك؛ لأنهم مثلهم ليسوا أهل كتابٍ، وساء ذلك المسلمين، فلما ظهرت الروم على فارس فرح المسلمون (٣)، لأن النصارى أقرب إليهم من المجوس من أجل كتابهم.

وكل ما عليه المجوس من الشرك، فشركُ الصابئة إن لم يكن أخفَّ منه فليس بأعظم منه. وقد تردَّد الشافعي رحمه الله تعالى في أخذ الجزية منهم في


(١) كذا في الأصل غير ممنوع من الصرف، والصواب صرفه.
(٢) ذكر الشهرستاني هذه المناظرات في "الملل والنحل" (ص ٢٦٣ - ٢٩٨).
(٣) كما في مطلع سورة الروم، وانظر حديث ابن عباس الذي أخرجه أحمد (٢٤٩٥، ٢٧٦٩)، والترمذي (٣١٩٣)، والنسائي في "الكبرى" (١١٣٨٩) وغيرهم. وفي الباب عن غيره من الصحابة.