للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اتصلت بالأبدان، وتوسَّخت بأوضار الأجسام، ثم طهرتْ عنها بالأخلاق الزكية والأعمال المرضية، حتى انفصلت عنها فصعدت إلى عالمها الأول، فالنزول هو النشأة الأولى، والصعود هو النشأة الأخرى.

قالوا (١): وطريقنا في التوسل إلى حضرة (٢) القدس ظاهرٌ وشرعنا معقول، فإن قُدماءنا من الزمان الأول لما أرادوا الوسيلة عملوا أشخاصًا في مقابلة الهياكل العلوية على نِسَبٍ وإضافاتٍ وهيآتٍ (٣) وأحوالٍ وأوقاتٍ مخصوصةٍ، وأوجبوا على من يتقرب بها إلى ما يقابلها من العُلويات لباسًا وبخورًا وأدعيةً مخصوصةً وعزائم، تقرَّبوا بها (٤) إلى رب الأرباب ومسبِّب الأسباب، وتلقينا ذلك عن عاذيمون (٥) وهرمس.

فهذا بعض ما نقله أرباب المقالات من دين الصابئة، وهو بحسب ما وصل إليهم، وإلا فهذه الأمة فيهم المؤمن بالله وأسمائه وصفاته وملائكته ورسله واليوم الآخر، وفيهم الكافر، وفيهم الآخذ من دين الرسل بما وافق عقولهم واستحسنوه، فدانوا به ورَضُوه لأنفسهم، وعقْدُ أمرِهم أنهم يأخذون بمحاسنِ ما عند أهل الشرائع بزعمهم، ولا يوالون أهلَ ملةٍ ويعادون أخرى، ولا يتعصَّبون لملّةٍ على ملّةٍ، والملل عندهم نواميسُ لمصالح العالَم، فلا


(١) "الملل والنحل" (ص ٢٨٦).
(٢) في الأصل: "حضيرة". والمثبت موافق لما في "الملل والنحل".
(٣) "وهيآت" ساقطة من المطبوع.
(٤) في المطبوع: "يقربونها" خلاف ما في الأصل و"الملل والنحل".
(٥) في الأصل: "عاديموت". والتصويب من "الملل والنحل".