للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاؤوا إلى المسجد فوجدوا سوَّارًا جالسًا للحكم بين المسلمين، فدخل المسجد وتجاوز الموضع الذي كان يجب الوقوف عنده (١)، فمنعه الخَدَمُ فلم يعبأ بهم وسبَّهم، ودنا حتى جلس عن يمين سوَّارٍ ودفع له الكتاب، فوضعه بين يديه، ولم يقرأه وقال: ألستَ نصرانيًّا؟ فقال: بلى أصلح الله القاضي، فرفع رأسه وقال: جُرُّوا برجله، فسُحِبَ إلى باب المسجد وأدَّبه تأديبًا بالغًا، وحلفَ أن لا يبرحَ واقفًا إلى أن يوفّي المسلمين حقوقهم، فقال له كاتبه: قد فعلتَ اليوم أمرًا يُخاف أن تكون له عاقبةٌ، فقال: أعِزَّ أمرَ الله يُعِزَّك الله (٢).

فصل

وأما هارون الرشيد، فإنه لما قلَّد الفضل بن يحيى أعمال خراسان، وجعفرًا أخاه ديوانَ الخراج، وأمرهما بالنظر في مصالح المسلمين، فعمرت المساجد والجوامع والصهاريج (٣) والسِّقايات (٤)، وجَعلَ في المكاتب مكاتبًا لليتامى، وصَرفَ الذمة عن أعمالهم، واستعمل المسلمين عوضًا منهم، وغيَّر زيَّهم ولباسهم، وخرَّب الكنائس، وأفتاه بذلك علماء الإسلام (٥).


(١) في الأصل: "عنه".
(٢) لم أقف عليه إلا في "المذمة" (ص ٢٨٢، ٢٨٣).
(٣) جمع صِهْريج: حوض كبير للماء.
(٤) جمع سِقاية: موضع السقي.
(٥) انظر: "تاريخ الطبري" (٨/ ٣٢٤).