للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وأما المأمون، فقال عمرو بن عبد الله الشيباني: استحضرني المأمون في بعض لياليه ونحن بمصر، فقال لي: قد كثرتْ سعايات النصارى، وتظلَّم المسلمون منهم، وخانوا السلطان في ماله. ثم قال: يا عمرو، تعرف من أين أصل هؤلاء القبط؟ فقلت: هم بقية الفراعنة الذين كانوا بمصر، وقد نهى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن استخدامهم، فقال: صِفْ لي كيف كان تناسلُهم في مصر، فقلت: يا أمير المؤمنين، لما أخذت الفرس المُلْكَ من أيدي الفراعنة قتلوا القبط، فلم يبق منهم إلا من اصطنعته يد الهرب واختفى بأَنْصِنا (١) وغيرها، فتعلَّموا طبًّا وكتابًا، فلما ملكت الروم مُلْكَ الفرس كانوا سببًا في إخراج الفرس عن ملكهم، وأقاموا في مملكة الروم إلى أن ظهرت دعوة المسيح (٢).

وفيهم يقول خالد بن صفوان من قصيدةٍ له يمدح بها عمرو بن العاص - رضي الله عنه - ويحثُّه على قتلهم ويُغرِيه بهم (٣):

يا عمرو قد ملكتْ يمينُك مِصْرَنا ... وبسطتَ فيها العدلَ والإقساطا


(١) مدينة تاريخية من نواحي الصعيد على شرقي النيل. وكان قد اختطها الرومان، وكانوا يسمونها "أنطينوبولس"، هجرت من ألف عام أو أكثر، وما زالت أطلالها ظاهرة إلى اليوم. وانظر "معجم البلدان" (١/ ٢٦٥).
(٢) لم أجد الخبر إلا في "المذمة" (ص ٢٨٥).
(٣) الخبر والأبيات في المصدر السابق (ص ٢٨٦)، و"غذاء الألباب" (٢/ ١٧). وفي "الردّ على أهل الذمة" لابن الواسطي (ت ٧١٢) ستة أبيات ليس منها الرابع.