وأما المتوكل، فإنه صرفَ أهل الذمة من الأعمال، وغيَّر زِيَّهم في مراكبهم وملابسهم، وذلك أن المباشرين منهم للأعمال كثروا في زمانه وزادوا على الحد، وغلبوا على المسلمين لخدمة أمه وأهله وأقاربه، وذلك في سنة خمسٍ وثلاثين ومائتين، فكانت الأعمال الكبار كلها أو عامتها إليهم في جميع النواحي، وكانوا قد أوقعوا في نفس المتوكل من مباشري المسلمين شيئًا وأنهم بين مفرطٍ وخائنٍ، وعملوا عملًا بأسماء المسلمين وأسماء بعض الذمة لينفوا التهمة، وأوجبوا باسم كل واحدٍ منهم مالًا كثيرًا، وعُرِض على المتوكل، فأُغرِي وظنَّ ما أوجبوا من ذلك حقًّا، وأن المال في جهاتهم كما أوجبوه. ودخل سلمة بن سعيد النصراني على المتوكل وكان يأنس به ويحاضره، فقال: يا أمير المؤمنين أنت في الصحاري والصيد، وخلفك معادنُ الذهب والفضة، ومن يشرب في آنية الذهب والفضة، ويملؤها ذهبًا عوضًا عن الفاكهة. فقال له المتوكل: عند مَن؟ فقال: عند الحسين بن مَخلدٍ، وأحمد بن إسرائيل، وموسى بن عبد الملك، وميمون بن هارون، ومحمد بن موسى، وكل واحدٍ من هؤلاء اسمه ثابتٌ في العمل المقدَّمِ ذكرُه المرفوعِ للمتوكل. فقال له المتوكل: ما تقول في عبيد الله بن يحيى؟ فسكت،