للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَستحِثُّني، فبادرتُ إليه، فلما وقف على الكتاب زاد فيه بخطه: "نفيتُ عن العباس؛ لئن خالفتَ فيما أمرتُ به لأوجِّهن من يجيئني برأسك". ووصل الشيخَ بألف دينارٍ، وبعث معه حاجبًا، وكثر تظلُّم الناس من كتَّاب أهل الذمة وتتابعت الإغاثات (١).

وحجَّ المتوكل (٢) تلك السنة، فرُئِي رجل يطوف بالبيت ويدعو على المتوكل، فأخذه الحرس وجاؤوا به سريعًا، فأمر بمعاقبته، فقال له: والله يا أمير المؤمنين، ما قلتُ ما قلتُه إلا وقد أيقنتُ بالقتل، فاسمعْ كلامي ومُرْ بقتلي، فقال: قل، فقال: سأُطلِق لساني بما يُرضي الله ورسوله ويُغضِبك يا أمير المؤمنين، قد اكتنفتْ دولتَك كُتَّابٌ من الذمة أحسنوا الاختيار لأنفسهم، وأساؤوا الاختيار للمسلمين، وابتاعوا دنياهم بآخرة أمير المؤمنين، خِفْتَهم ولم تَخَفِ الله، وأنت مسؤولٌ عما اجترحوا وليسوا مسؤولين عما اجترحتَ، فلا تُصلِحْ دنياهم بفساد آخرتك، فإن أخسر الناس صفقةً يوم القيامة من أصلح دنيا غيره بفسادِ آخرته، واذكر ليلةً تتمخَّضُ صبيحتها عن يوم القيامة، وأول ليلةٍ يخلو المرء في قبره بعمله. فبكى المتوكل إلى أن غُشِي عليه، وطُلِب الرجل فلم يوجد، فخرج أمره بلُبْسِ النصارى واليهود الثيابَ العسلي (٣)،


(١) لم أجد الخبر إلا في "المذمة".
(٢) الخبر في "صبح الأعشى" (١٣/ ٣٦٦ وما بعدها)، و"مآثر الإنافة" (٣/ ٢٢٨ وما بعدها)، و"المذمة" لابن النقاش (ص ٢٩٢ وما بعدها).
(٣) أي ما كان لونه لون العسل من الثياب.