للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا المَلِك الصالح (١) كان في دولته نصراني يُسمَّى بخاصِّ الدولة أبي (٢) الفضائل بن دخانٍ، ولم يكن في المباشرين أمكنُ منه. وكان المذكور قَذاةً في عين دين الإسلام، وبَثْرةً في وجه الدين، ومثالبه في الصحف مسطورةٌ، ومخازيه مخلَّدةٌ مذكورةٌ، حتى بلغ مِن أمره أنه وقَّع لرجلٍ نصراني أسلم بردِّه إلى دين النصرانية، وخروجه من الملة الإسلامية. ولم يزل يكاتب الفرنجَ بأخبار المسلمين وعمَّالهم، وأمر الدولة وتفاصيل أحوالها. وكان مجلسه معمورًا برسل الفرنج والنصارى، وهم مُكْرَمون لديه وحوائجهم مقضيَّةٌ عنده، ويُحمل لهم الأَدرار والضِّيافات، وأكابر المسلمين محجوبون على الباب لا يؤذن لهم، وإذا دخلوا لم يُنْصَفوا في التحية ولا في الكلام.

فاجتمع به بعض أكابر الكتَّاب فلامَه على ذلك، وحذَّره من سوء عاقبة صُنْعه، فلم يزِدْه ذلك إلا تمرُّدًا. فلم يمضِ على ذلك إلا يسيرٌ حتى اجتمع في مجلس الصالح أكابرُ الناس من الكتّاب والقضاة والعلماء، فسأل السلطان بعضَ الجماعة (٣) عن أمرٍ أفضى به إلى ذكر مخازي النصارى، فبسط لسانه


(١) المقصود به هنا طلائع بن رزّيك (٤٩٥ - ٥٥٦)، لا نجم الدين أيوب (٦٠٣ - ٦٤٧)، وكلاهما لقّب بالملك الصالح. وخاصّ الدولة ابن دخان كان أشهر كتاب النصارى في وزارة طلائع بن رزّيك.
(٢) في الأصل: "محاضر الدولة أبا" تحريف. والمثبت من "تجريد سيف الهمة" للنابلسي و"المذمة". ويقال: "خاصة الدولة" كما في "النكت العصرية" (ص ٩٠) طبعة باريس، و"تاريخ أبي صالح الأرمني" (ص ٤١) طبعة أكسفورد.
(٣) هو الشيخ زين الدين بن نجا الواعظ الحنبلي (ت ٥٩٩)، كما في كتاب ابن الواسطي (ص ٥٧). وترجمته في "تاريخ الإسلام" (١٢/ ١١٧٥) و"ذيل طبقات الحنابلة" (٢/ ٤٣٦).