للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما سؤال ابن حزمٍ (١): هل الجمل والشحم اليوم حرامٌ عليهم أم حلالٌ لهم؟ فإن قالوا: حرامٌ عليهم كفروا، وإن قالوا: حلالٌ تركوا قولهم= فكلامُ متهوِّرٍ مُقْدِمٍ على تكفير من لم يكفِّره الله ورسوله، وعلى التكفير بظنّه الفاسد، ولا يستحقُّ هذا الكلام جوابًا لخلوِّه عن الحجة. وهم يَقلِبُون عليه هذا السؤال فيقولون له: نحن نسألك هل أحلَّ الله لهم هذه الشحوم مع إقامتهم على كفرهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فأباحها لهم وطيَّبها في هذه الحال، أم بقَّاهم (٢) على ما هم عليه من الآصار والأغلال؟ فإن قلت: بل أباحها لهم وطيَّبها وأحلَّها مع بقائهم على اليهودية وتكذيبِ رسوله، فهذا كفرٌ وكذبٌ على الله وعلى كتابه. وإن قلت: بقَّاهم على ما هم عليه تركتَ قولك وصرتَ إلى قولنا. فلا بدَّ لك من واحدٍ من هذين الأمرين، وأحسنُ أحوالك أن تتناقض، لِتسلَم بتناقضِك من الكفر.

وأما سؤالك عن ذبيحة المستخفِّ بدينه الذي يعتقد حلَّ الشحوم، فهذا السؤال جوابه فيه، فإنه متى اعتقد حلَّ الشحوم خرج عن اليهودية: إما إلى الإسلام، وإما إلى الزندقة، فإن تحريم الشحوم ثابتٌ بنصِّ التوراة، فإن كذَّب التوراة وأقام على يهوديته فليس بيهودي ولا تحلُّ ذبيحته. وإن آمن بالتوراة واعتقد حلَّ الشحوم؛ لأن شريعة الإسلام أبطلتْ ما سواها من الشرائع، والواجب اتباعها= فهذا الاعتقاد حقٌّ، ولكن لا يُبيح له الشحومَ المحرَّمة إلا


(١) تقدم نقله (ص ٣٦٥).
(٢) كذا في الأصل هنا وفيما يأتي، وهو صحيح في اللغة. وغيَّره في المطبوع بـ"أبقاهم".