للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحاملها والمحمولة إليه (١). فالعاصر والحامل قد عاوضا على منفعةٍ تستحق العوض، وليست محرَّمةً في نفسها، وإنما حرِّمت بقصد المعتصر والمستحيل (٢)، فهو كما لو باع عنبًا أو عصيرًا لمن يتخذه خمرًا، وفات العصير والعنب في يد المشتري، فإن مال البائع لا يذهب مجانًا، بل يُقضى له بعوضه، كذلك هاهنا، المنفعة التي وفاها المؤجر لا تذهب مجانًا، بل يُعطى بدلَها، فإن تحريم الانتفاع بها إنما كان من جهة المستأجر، لا من جهته.

ثم نحن نحرم الإجارة عليه لحق الله سبحانه، لا لحق المستأجر والمشتري، بخلاف من استؤجر للزنا أو التلوُّط أو السرقة ونحو ذلك، فإن نفس هذا الفعل محرمٌ في نفسه، فهو كما لو باعه ميتةً أو خمرًا أو خنزيرًا، فإنه لا يقضى له بثمنها؛ لأن نفس هذه العين محرمةٌ.

ومثل هذه الإجارة والجعالة لا توصف بالصحة مطلقًا، ولا بالفساد مطلقًا، بل يقال: هي صحيحةٌ بالنسبة إلى المستأجر، بمعنى أنه تجب عليه الأجرة والجُعْل، فاسدةٌ بالنسبة إلى الآجر، يعني أنه يحرم عليه الانتفاع بالمال، ولهذا في الشريعة نظائر.


(١) وبائعها ومبتاعها، وساقيها وشاربها، وآكل ثمنها، والخمر بعينها. وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده، أخرجه أحمد (٤٧٨٧، ٥٧١٦) وأبو داود (٣٦٧٤) وابن ماجه (٣٣٨٠) والحاكم (٢/ ٣٢) عن ابن عمر. وأخرجه الترمذي (١٢٩٥) وابن ماجه (٣٣٨١) والضياء في "المختارة" (٦/ ١٨١) من حديث أنس بنحوه. وأخرجه أحمد (٢٨٩٧) وابن حبان (٥٣٥٦) والحاكم (٢/ ٣١) من حديث ابن عباس بنحوه.
(٢) في "الاقتضاء": "والمستحمل".