قال القاضي: وقال أحمد أيضًا في نصارى وقفوا ضيعةً لهم للبِيْعة: لا يستأجرها الرجل المسلم منهم يُعينهم على ما هم فيه، قال: وبهذا قال الشافعي.
ثم قال القاضي: فإن قيل: أليس قد أجاز أحمد إجارتها من أهل الذمة مع علمه بأنهم يفعلون فيها ذلك؟
قيل: المنقول عن أحمد أنه حكى قول ابن عونٍ وعجب منه، وذكر القاضي رواية الأثرم. وهذا يقتضي أن القاضي لا يجوِّز إجارتها من ذمي، وقد قال أبو بكرٍ: إذا أجاز البيع أجاز الإجارة، وإذا منع منع.
قال شيخنا (١): وكلام أحمد يحتمل الأمرين، فإن قوله في رواية أبي الحارث:"يبيعها من مسلم أحبُّ إليَّ" يقتضي أنه منع تنزيهٍ. واستعظامُه لذلك في رواية المروذي، وقولُه: لا يباع من الكافر، وتشديدُه في ذلك= يقتضي التحريم.
وأما الإجارة فقد سوَّى الأصحاب بينها وبين البيع، وما حكاه عن ابن عونٍ فليس بقول أحمد، وإعجابه بفعله إنما هو لحسن مقصد ابن عونٍ ونيته الصالحة. ويمكن أن يقال: ظاهر الرواية أنه أجاز ذلك، فإن إعجابه بالفعل دليلُ جوازه عنده، واقتصاره على الجواب بفعل رجل يقتضي أنه مذهبه في أحد الوجهين.