للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والفرق بين الإجارة والبيع أن ما في الإجارة من مفسدة الإعانة قد عارضَه مصلحةٌ أخرى، وهي صرف إرعاب المطالبة بالكراء عن المسلم، وإنزال ذلك بالكافر، وصار ذلك بمنزلة إقرارهم بالجزية، فإنه وإن كان إقرارًا لكافرٍ لكن لما تضمنه من المصلحة جاز، ولذلك جازت مهادنة الكفار في الجملة.

فأما البيع فهذه المصلحة منتفيةٌ فيه، وهذا ظاهرٌ على قول ابن أبي موسى وغيره إن البيع مكروهٌ غير محرمٍ، فإن الكراهة في الإجارة تزول بهذه المصلحة الراجحة، كما في نظائرها. فيصير في المسألة أربعة أقوالٍ.

قال شيخنا (١): وهذا الخلاف عندنا والتردد في الكراهة هو إذا لم يعقد الإجارة على المنفعة المحرَّمة، فأما إن آجره إياها لأجل بيع الخمر أو اتخاذها كنيسةً أو بِيْعةً لم يجز، قولًا واحدًا. وبه قال الشافعي وغيره. كما لا يجوز أن يُكري أَمتَه أو عبدَه للفجور.

وقال أبو حنيفة: يجوز أن يؤاجرها لذلك (٢).

قال أبو بكر الرازي (٣): لا فرقَ عند أبي حنيفة بين أن يشترط أن يبيع فيه الخمر وبين أن لا يشترط، لكنه يعلم أنه يبيع فيه الخمر، أن الإجارة تصح.


(١) "اقتضاء الصراط" (٢/ ٢٩). والكلام مستمر.
(٢) أي إجارة الدار لبيع الخمر واتخاذها كنيسة.
(٣) لم أجد كلامه في كتبه المطبوعة.