قالوا: فهذا حكم الله الذي لا يحلُّ لأحدٍ أن يخرج عنه، وقد حرَّم فيه رجوع المؤمنة إلى الكافر، وصرَّح سبحانه بإباحة نكاحها، ولو كانت في عصمة الزوج حتى يُسلم في العدة أو بعدها لم يجزْ نكاحها، لا سيما والمهاجرة تُستبرأ بحيضةٍ، وهذا صريحٌ في انقطاع العصمة بالهجرة.
وقوله:{وَلَا تُمَسِّكُوا بِعِصَمِ اِلْكَوَافِرِ} صريحٌ في أن المسلم مأمورٌ أن لا يُمسِك عصمةَ امرأته إذا لم تُسلم، فصحَّ أن ساعةَ وقوع الإسلام منه تنقطع عصمة الكافرة منه.
وقوله تعالى:{لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}، صريحٌ في تحريم أحدهما على الآخر في كل وقتٍ. فهذه أربعة أدلةٍ من الآية، ودَعُونا من تلك المنقطعات والمراسيل والآثار المختلفة، ففي كتاب الله الشفاء والعصمة.
قال الآخرون: مرحبًا وأهلًا وسهلًا بكتاب الله، وسمعًا وطاعةً لقول ربنا، ولكن تأولتم الآية على غير تأويلها، ووضعتموها على غير مواضعها، وليس فيها ما يقتضي تعجيلَ الفرقة إذا سبق أحدهما الآخر بألفٍ أو ها (١)، ولا فهم هذا منها أحدٌ قطُّ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا من التابعين، ولا يدلُّ على ما ذهبتم إليه أصلًا.
أما قوله تعالى:{فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى اَلْكُفّارِ} فإنما يدلُّ على النهي عن ردِّ النساء المهاجرات إلى الله ورسوله إلى الكفار، فأين في هذا ما يقتضي أنها
(١) كذا في الأصل، ولعل المقصود: "بالإسلام أو الهجرة". وفي المطبوع: "بإلغائها"، ولا يناسب السياق.