اخترتُها، أو اخترتُ نكاحها= لزم نكاحها وانفسخ نكاح من عداها. وإن قال: فسختُ نكاح هذه أو عقْدَها، أو أخرجتُها من حِبالي، أو تركتها، ونحو ذلك= كان ذلك فراقًا لها. فإن قال: فارقتُها، أو فارقتُ عقدها، أو سرَّحتُها= احتمل أن يكون فسخًا؛ لأنه يحتمله، فتَبِين منه ويبقى نكاح البواقي. واحتمل أن يكون اختيارًا لها، ويقع الطلاق؛ لأنه صريحٌ في الطلاق. وإن قال: طلَّقتُ هذه كان ذلك اختيارًا لنكاحها وطلاقًا؛ لأن الطلاق لا يوقع إلا في زوجةٍ، فتطليقه لها [يكون] اختيارًا وتطليقًا.
فإن وطئ واحدةً فقياس المذهب أنه يكون اختيارًا لها؛ لأنه قد نصّ على أن الوطء يكون رجعةً؛ لأن الوطء يدل على الرضا بها، فحصل بذلك الإمساك. ولهذا قلنا في الأمة إذا أعتقت تحت عبدٍ: لها الخيار، فإن وطئها قبل الخيار بطل خيارها؛ لأن تمكينها يدلُّ على الرضا، وكذلك إذا خيَّرها ثم وطئها كان وطؤها قطعًا لخيارها؛ لأنه يدل على الرغبة فيها والرجوع في طلاقها، خلافًا لأصحاب الشافعي: لا يكون الوطء اختيارًا لأنه لم يوضع لذلك، وكذلك لا تحصل به الرجعة.
والدليل على أن الوطء اختيارٌ: أنه يوجب الاختيار باللفظ ومقصودِه ومآلِه، فهو أقوى من مجرد قوله: اخترتها؛ لأن قوله:"اخترتها" جعل اختيارًا لدلالته على إيثاره لها ورضاه بها، فوطؤها أقوى في الدلالة من مجرد اللفظ. ولهذا كان الوطء رجعةً عند جمهور العلماء، وإنما نازع فيه الشافعي وحده.
إذا عُرِف هذا فالصواب أن تطليق إحداهن لا يكون اختيارًا لها، بل اختيارًا لغير المطلقة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال للديلمي:"طلِّقْ إحداهما" لم يُرِد