الثاني: أن الطلاق هاهنا كنايةٌ عن التسيُّب والإرسال، فهو بمنزلة قوله رغبتُ عنك وأرسلتُك، فهو طلاقٌ مقيَّدٌ بقيد القرينة، وهي من أقوى القرائن.
الثالث: أنه كيف يمكن أن يقول هذا القول من يقول: إن أنكحة الكفار صحيحةٌ؟ ولهذا قال: ينفذ الطلاق في المطلقة، وإذا كانت صحيحةً فطلق واحدةً صارت كأنها لم يعقد عليها، وصار البواقي هن المعقود عليهن، فكأنه أسلم وتحته أربع أو إحدى الأختين فقط.
فإن قيل: بالإسلام زال صحة نكاح الجميع، فلا يمكن أن يقال: نكاح الخمس صحيح بعد إسلامه، ولا يُحكم ببطلان نكاحهن، فإذا طلق واحدةً علمنا أنها حينئذٍ زوجةٌ، ومن ضرورة كونها زوجةً بطلانُ نكاح من عداها، فإذا كان تحته ثمان فطلق أربعًا علمنا أنهن حين الطلاق زوجاته، فبالضرورة يكون نكاح من عداهن مفسوخًا، إذ لا يمكن أن يكون حالَ الطلاق نكاحُ الثمان صحيحًا.
قيل: هذه الشبهة التي لأجلها قالوا: إن الطلاق يكون اختيارًا. وجواب هذه الشبهة أن النكاح بين الإسلام والاختيار موقوفٌ لم ينفسخ بنفس الإسلام، ولا بقي صحيحًا لازمًا، إذ لو انفسخ بنفس الإسلام لم يختر، وهذا واضحٌ. ولهذا له أن يُمسك من شاء من الثمان إلى تمام النصاب، فما منهن واحدةٌ إلا والنكاح في حقها صحيح إذا اختارها، وباطلٌ إذا أخرجها عن عصمته، فالطلاق صادف هذه الزوجة الموقوفة، ولا يلزم منه اجتماع الثمان في الإسلام في عقد لازمٍ، وليس المحذور سوى ذلك.