للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى معرفة أبويه غالبًا، فجعلناه كالمتحقق، وإن علمنا وجودهما حكمنا بإسلامه أيضًا لأنه نادرٌ. هذا جواب القاضي وأصحابه، وهو بناءً على أن الزوجين إذا سُبِيا معًا فهما على نكاحهما، وأن الفسخ لم يكن للاستيلاء على بُضْع المرأة ومِلكه، وهذا هو المشهور عن أحمد.

والصحيح أن الفسخ لم يكن لهذه العلة، بل للاستيلاء على جميع ملك الرجل وحقوقه، وبُضْعُ زوجته من أملاكه، وقد استولى عليه وملَكَه السابي كما ملك رقبتَها، فلا معنى لبقاء العصمة في البضع وحده دون سائر أملاكه ودون سائر أجزاء المرأة ومنافعها. وعلى هذا فلا فرقَ بين أن تُسبى وحدها أو مع الزوج، وعلى هذا دلَّ القرآن في قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤]، نزلت في السبايا، فحرَّم الله نكاح المتزوجات إلا المَسْبيَّات إذا انقضت عدتهن. كذلك قال أبو سعيد (١). ولم يُفرِّق بين أن تُسبى وحدها أو مع زوجها، وبين أن يُعلم هلاك الزوج أو يُعلم بقاؤه أو يُشكّ فيه. ولو كانت العلة إنما هي الجهل ببقاء الزوج، وتنزيل المجهول كالمعدوم= لما انفسخ النكاح مع العلم بوجوده في دار الحرب.

وقولهم: إن هذا نادرٌ، والحكم للغالب= قول (٢) في غاية الفساد، فإن الحكم إذا ثبت لعلةٍ زال بزوالها، وليس بقاء الزوج في دار الحرب نادرًا، ولو


(١) أخرج مسلم (١٤٥٦) عن أبي سعيد الخدري قوله في سبب نزول الآية وتفسيره: أي فهنَّ لكم حلال إذا انقضت عدتهنّ. وانظر: "زاد المعاد" (٦/ ٣١٨).
(٢) في الأصل: "فرق". والمثبت يقتضيه السياق.