للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورثته؛ لأنه لو لم يكن له ورثةٌ كانت ديته في بيت المال. وقد نصَّ على ذلك في رواية أبي طالب (١) في النصراني إذا مات وليس له وارثٌ، جُعل ماله في بيت مال المسلمين.

والوجه فيه قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩١]، وهذا عامٌّ في الذمي والمسلم، وعامٌّ فيه إذا كان أهله في دار الإسلام أو دار الحرب. ولأنهما قد اتفقا في الدين، فجاز أن يتوارثا كما لو كانا في دارٍ واحدةٍ، ولأنهما لو اجتمعا في دارٍ توارثا، فيجب أن يتوارثا وإن اختلفت بهما الدار، دليله المستأمن.

يبيِّن صحة هذا: أن أحكام المستأمن والحربي مختلفةٌ؛ لأن المستأمن يحرم قتلُه، وتُضمَن نفسه، ويُقطع بسرقة ماله، والحربي بخلافه؛ ولأن اختلاف الدارين لا يوجب انقطاع العصمة، بدليل أنه لا يوجب فسخ الأنكحة.

وقولهم: إن الميراث يثبت بالموالاة والنصرة، واختلاف الدارين يمنع من ذلك= لا يصح كما لم يصح إذا اختلفت الداران بالمسلمين، ولأن هذا يبطل باليهود والنصارى، فإنهم لا يتناصرون، ويتوارثون عند المنازع لنا وعندنا على إحدى الروايتين، ولا يتوارثون على الرواية الأخرى، لا لهذه العلة لكن لاختلاف الدين، فإن دينهم مختلفٌ، ولأن الصبي والمجنون والنساء يرثون (٢)، ولا نصرة فيهم، ولهذا لما كان العقل طريقه النصرة لم


(١) "الجامع" للخلال (٩٣٧).
(٢) في الأصل: "يرثن". والضمير لا يرجع إلى النساء خاصة. وسيأتي ضمير الجمع المذكر "فيهم" ليناسب الفعل.