للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بوجهٍ من الوجوه. وإنما مأخذ أحمد أن دين أهل الكتاب خيرٌ من دين المجوس، فلا يجوز أن يُمكَّن المجوسي والوثني أن يعلو امرأةً دينُها خيرٌ منه، كما لا يُمكَّن الذميُّ من نكاح مسلمةٍ، وعلى هذا فلا يُمنع النصراني من تزويج المجوسية؛ لأنه أعلى دينًا منها، وإن حرم علينا نحن نكاحها، ولا يلزم من تحريمها علينا تحريمُها على أهل الكتاب وأن لا نُقِرَّهم على نكاحها كما نُقِرُّهم على أكل الخنزير وشرب الخمر. وإذا أقررنا المجوس على نكاح ذوات محارمهم فإقرار أهل الكتاب على مناكحتهم أولى وأحرى.

ولا يخرج من هذا النص عدمُ إقرار المجوس على نكاح ذوات محارمهم لما ذكرنا من مأخذه.

وكذلك نصُّه على مجوسي ملك أمةً نصرانيةً يُحال بينهما، إنما ذلك لأن دينها أعلى من دينه، وقد صرَّح بهذا التعليل بعينه، فقال: لأن النصارى لهم دينٌ. فإن كان الأصحاب إنما أخذوا هذه الرواية من هذا النص فليست برواية، والمسألة رواية واحدةٌ. وقد تأملتُ نصوصه في هذا الباب في "الجامع"، فلم أجد عنه نصًّا بأنهم لا يُقَرُّون على نكاح ذوات المحارم.

وأما تفريق عمر - رضي الله عنه - بينهم وبين ذوات محارمهم فاجتهادٌ منه - رضي الله عنه -، وقد أقرَّهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخليفته. وقد يقال: كانت شوكتهم قوية في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١) وزمن أبي بكر - رضي الله عنه -، فلما عزَّ الإسلام وذلَّ المجوس في عهد عمر - رضي الله عنه - وكانوا أذلَّ ما كانوا= رأى أن يُلزِمهم بترك


(١) "وخليفته ... - صلى الله عليه وسلم - " ساقطة من المطبوع.