للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نكاح ذوات المحارم وأن يُفرِّق بينهم وبينهن.

وعلى هذا، فإذا قويت شوكة قومٍ من أهل الذمة وتعذَّر إلزامهم بأحكام الإسلام أقررناهم وما هم عليه، فإذا ذلُّوا وضعُفَ أمرهم ألزمناهم بذلك، فهذا له مساغٌ.

إلا أنه قد يقال: فقد صالحهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضرب عليهم الجزية، ولم يشترط عليهم التفريق بينهم وبين ذوات محارمهم، وهو - صلى الله عليه وسلم - لا يُقِرُّ على ما لا يَسُوغُ الإقرار عليه.

وقد يُجاب عن ذلك: بأنه أقرَّهم في ابتداء الأمر والملكُ فيهم والشوكةُ لهم، وبلاد فارس وما والاها تحت قهرهم وملكهم، فلما صارت ممالكهم للمسلمين وصاروا أهلَ ذمةٍ منعهم عمر - رضي الله عنه - من ذلك، وحال بينهم وبينه. وهذا من أحسن اجتهاده - رضي الله عنه - وأقواه، وأحبِّه إلى الله ورسوله، فإنه (١) من أعظم القبائح التي يُبغضها الله ورسوله: نكاح الرجل أمَّه وابنته وعمَّتَه وخالته، ولا ريبَ أن إزالة هذا من الوجود أحبُّ إلى الله ورسوله من الإقرار عليه، ويكفينا في ذلك النقلُ الصحيح عمن ضرب الله الحقَّ على لسانه وقلبه، ومن كانت السكينة تنطق على لسانه، ومن وافق ربَّه في غير حكمٍ، ومن أمرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - باتباع سنته (٢). وهو أحبُّ إلينا من النقل في ذلك


(١) كذا في الأصل، وفي المطبوع: "فان".
(٢) أشار المؤلف هنا إلى الأحاديث الواردة في فضائل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. وحديث ضرب الله الحق على لسانه وقلبه أخرجه الترمذي (٣٦٨٣) عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، وفي الباب عن غيره. ونطق السكينة على لسان عمر أخرجه أحمد (٨٣٤) من قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فيه. وحديث موافقته ربَّه أخرجه البخاري (٤٠٢) ومسلم (٢٣٩٩) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -. والأمر باتباع سنته أخرجه أحمد (١٧١٤٥) وأبو داود (٤٦٠٧) وغيرهما من حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه -، بلفظ: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ... ".