للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الشيخ: ويحتمل كلام أحمد أن الكفر ملل كثيرة، فتكون المجوسية ملةً، وعُبَّاد الأوثان ملةً، وعُبَّاد الشمس ملةً، فلا يرث بعضهم بعضًا. روي ذلك عن علي (١)، وبه قال الزهري، وربيعة، وبعض فقهاء المدينة، وأهل البصرة، وإسحاق.

قال الشيخ في «المغني» (٢): وهو أصح الأقوال إن شاء الله تعالى، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يتوارث أهل ملتين شتّى (٣)»، ولأن كل فريقين منهم لا موالاة بينهم، ولا اتفاق في دينٍ، فلم يرث بعضهم بعضًا، كالمسلمين والكفار. والعمومات في التوريث مخصوصةٌ، فيُخصُّ منها محل النزاع بالخبر والقياس. ولأن مخالفينا قطعوا التوريث بين أهل الحرب وأهل دار الإسلام مع اتفاقهم في الملة، لانقطاع الموالاة، فمع اختلاف الملة أولى.

وقول من حصر (٤) الملة بعدم الكتاب غير صحيح، فإنَّ هذا وصفٌ عدمي لا يقتضي حكمًا ولا جمعًا. ثم لا بد لهذا الضابط من دليل يدل على اعتباره. ثم قد افترق حكمهم، فإن المجوس يقرُّون بالجزية، وغيرهم لا يُقَرُّ بها، وهم مختلفون في معبوداتهم ومعتقداتهم وآرائهم، يستحِلُّ بعضهم دماء بعضٍ، ويكفِّر بعضهم بعضًا، فكانوا مللًا كاليهود والنصارى.

وقد روي ذلك عن علي، فإن إسماعيل بن أبي خالدٍ روى عن الشعبي


(١) سيأتي تخريجه قريبًا.
(٢) (٩/ ١٥٧).
(٣) في المطبوع: «شيئًا» على غرار ما سبق بيانه قريبًا.
(٤) في المطبوع: «خصَّ»، والرسم في الأصل أقرب إلى المثبت، وهو لفظ «المغني».