للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعامة عهود النبي - صلى الله عليه وسلم - مع المشركين كانت كذلك مطلقةً غير موقَّتةٍ، جائزةً غير لازمةٍ، منها عهده مع أهل خيبر، مع أن خيبر فُتحت وصارت للمسلمين، لكن سُكَّانها كانوا هم اليهود، ولم يكن عندهم مُسلِم، ولم تكن بعد نزلت آية الجزية، إنما نزلت في (براءة) عام تبوك سنة تسعٍ من الهجرة، وخيبر فتحت قبل مكة بعد الحديبية سنة سبعٍ. ومع هذا، فاليهود كانوا تحت حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنَّ العقار ملك للمسلمين دونهم.

وقد ثبت في «الصحيحين» (١) أنَّه قال لهم: «نُقِرُّكم ما شئنا» أو «ما أقرَّكم الله». وقوله: «ما أقرَّكم الله» يفسِّره اللفظ الآخر، وأنَّ المراد: أنَّا متى شئنا أخرجناكم منها. ولهذا أمر عند موته بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وأنفذ ذلك عمر - رضي الله عنه - في خلافته (٢).

وقد ذكر طائفةٌ منهم محمد بن جرير: أنَّ كلَّ ذمةٍ عقدت للكفار في دار الإسلام فهي على هذا الحكم، يُقرِّهم المسلمون ما احتاجوا إليهم، فإذا استغنَوا عنهم أخرجوهم من ديار المسلمين. وهذا قول قويٌّ، له حظٌّ من الفقه.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «نُقِرُّكم ما أقرَّكم الله» أراد به ما شاء اللهُ إقراركم وقدَّر ذلك وقضى به. أي: فإذا قدَّر (٣) إخراجكم بأن يريد إخراجكم فنخرجَكم لم نكن


(١) سبق اللفظ الأول آنفًا، والثاني في البخاري (٢٣٣٨، ٣١٥٢) ومسلم (١٥٥١/ ٦).
(٢) كما في حديث ابن عمر المتقدم تخريجه آنفًا.
(٣) غير محرَّرة في الأصل، وقرأها ناسخ الفرع: «قادر» فصححه صبحي الصالح إلى المثبت.